مقدمة : من كان يتصور مليونيات الامس - حقيقة وليس تهويلا - التى خرج بها الشعب المعلم بدون ترحيل خاص او مشاركة مدفوعة القيمة نقدا أو موزا ، وبعد ان ظن العسكر وشركاؤهم ان خطة التجويع والتخويف ،بانعدام الامن وبصور سيارات زعيم الشرق التى تنقل مؤيديه الى الخرطوم لدعم اعتصام السندويتش ،قد آتت اكلها وحان قطافها ؟ لا أظن انه حتى لجان المقاومة والخدمات ولا لجنة التفكيك ولا مركزية الحرية والتغيير كانت تتصور مشاركة العميان من الثوار والاطفال الذين يقودون الهتافات والشباب الهاتفين لحد الاغماء دون ان ينتظروا تقديم مايعينهم على مواصلة الهتاف ! وبرغم انها ليست المرة الاولى التى يخرج فيها الثوار وهم يرفعون نفس المطالب ، الا ان مياه كثيرة قد جرت تحت جسر الثورة بما يجعل الامر مختلفا هذه المرة . فمن ناحية تم كثير من فرز الاكوام بالصورة التى جعلت فريق الثورة ، او اغلبه على الاقل ، فى ناحية ، وفريق الادعاء بالانحياز اليها ومعه فلول النظام القديم والطامعين فى وراثته فى جانب آخر . وايضا من ضمن تلك المياه ظهور اخطاء، اشار اليها الثوار فى وقتها نظريا، بشكل عملى لايقبل الجدل . وذلك فى مايخص امهات القضايا من مثل قضية السلام القائم على المسارات والمحاصصات مع من وصفوا بحركات الكفاح المسلح ، وفيهم من ينطبق عليه الوصف ومن لاينطبق عليه، وفيهم من لاينطبق عليه ايا من الوصفين فهو من من لم يكافح بالسلاح ولابغيره . وقد خلق هذا الوضع من المشاكل ماقد يدخل البلاد جميعها فى مسار تقسيم يسعى اليه الكثيرون فى الداخل والخارج ، من مثل مايحدث فى شرق البلاد وغربها ومن مثل ما اصبح يحدث فى عاصمة البلاد نفسها التى امتلأت بالجيوش الى اتخذت لها قلاعا داخل العاصمة بدلا من الاحراش والبلدان المجاورة او المناطق اتى ادعت الكفاح المسلح من اجلها ، واصبحت تستجيب للمظاهرات السلمية بالكلاش ! وقضية الاقتصاد الى تعتمد وصفة معالجته الاساسية بالاعتماد على الخارج ويدار بدون استراتيجية او خطة واضحة بقرارات رجل او رجلين وامراة . والى جانب هذه الاخطاء، التى سنعود لاحصاء جزء منها في مايلى من المقال ، الا اننا هنا لابد ان نشير الى تغييرات اخرى دلت عليها مواكب الحادى والعشرين من اكتوبر . فبالاضافة الى العدد الهائل المشارك والمتنوع والذى شمل كل انحاء البلاد ، نلاحظ الاتفاق الكامل فى الاهداف المعبر عنها فى الهتافات واللافتات المحمولة ، واهمها مدنية الدولة وبوضوح لادغمسة فيه ، بل ذكر للاسماء والرتب والمناصب العسكرية التى يجب ان تذهب ، الى جانب كل المطالب التى استبقت بها الحرية والتغيير المواكب بوضعها كشروط لقبول مبادرة الدكتور حمدوك ، وهى التى ظلت مطلبا متصلا فى كل مسيرات وكتابات واراء الثوار ، والتى فى حالة الاصرار على تنفيذها من الكل ستكون مفتاحا لحلحلة كل قضايا الانتقال العالقة التى تؤخر مسيرة الثورة وتمنع تحقيق اهدافها . ولعل سردنا التالى لما نعتبره الجزء الهام من الاخطاء التى اقعدت بالثورة من تحقيق اهدافها ، يبين ماذهبنا اليه من ان تصحيحها سيفتح الباب لتكملة ، بدون عقبات، لماتبقى من الفترة الانتقالية : اولا : ماحدث للوثيقة الدستورية من تشكيك فى صحة بنودها للدرجة التى جعلت البعض يسميها بالوثيقة المزورة . وقد ذكرت فى مقال سابق ماذكره الدكتور ابراهيم الامين من اتهام صريح لبعض ممثلين لقوى سياسية فى هذا الخصوص . اذن قبل الاتفاق على تنفيذها لابد اولا من اظهار النسخة الاصلية لها. ثانيا : التأكيد على برلمانية الدولة ، وبالتالى التحديد القاطع للدور التنفيذى لمجلس الوزراء والتشريفى والتمثيلى لمجلس السيادة حتى ينتهي الاثر الدكتاتورى الذى خلفته سنوات الدكتاتوريات العسكرية ، بما ادخل الوهم فى نفوس من يتولون منصب رئيس مجلس السيادة على انهم رؤساء للجمهورية وبماجعل بعض الحالمين بحل الحكومة الطلب الى"الرئيس" البرهان حل الحكومة ! ثالثا : تحديد العلاقة بين الجهة السياسية التى تضع السياسات والخطط والجهات التنفيذية ، اى مجلس الوزراء ، وذلك بشكل قاطع ينهى اشكالات ومغالطات حدثت بين الحرية والتغيير المسماة بالحاضنة السياسية ورئيس الوزراء حول اهم القضايا من مثل برنامج الحكومة وخصوص الجانب الاقتصادى منه . رابعا : لعل ماجاء فى النقطة الثالثة اعلاه يبين ضرورة انشاء المجلس التشريعى قبل تكوين الحكومة القادمة ، بحيث تكون اول مهامه الموافقة على الحكومة وبرنامجها الذى سيقره المجلس . خامسا : لابد من الاعتراف بالخطأ الذى حدث فى موضوع الشراكة مع العسكر ، فعلى الرغم من معرفة الجميع بأن انحياز اللجنة الامنية للنظام السابق الى ركب الثورة كان كاذبا لوجودهم حتى لحظات السقوط فى معيته بالاضافة الى ماظهر من تصرفات دلت على هذا الكذب بدًءً بالتقاضى عن الهجمات التى حدثت على المعتصمين ومرورا بماحدث من فض بربرى للاعتصام انتهاء بالتأييد المضمر للانقلاب المزعوم وماتبعه من اعتصام القصر ، أقول بالرغم من كل هذا ظل رئيس الحكومة يتنازل عن سلطاته للعسكر ويشيد بالشراكة ، التى مضمونها شراكة مع ممثلين للنظام الذى ارادت انهاءه الثورة . واعترافا ضمنيا بهذا الخطأ خرج علينا السيد ابراهيم الشيخ يطلب من القوات المسلحة تعيين شخص آخر ليحل محل البرهان وكذلك صرح الدكتور الاصم بان على البرهان ان يذهب اذا لم يقبل تسليم الرئاسة فى نوفمبر للجانب المدنى ، وكأن ذهاب الاثنين سيكفى الثورة شر المشاركة العسكرية فى شكل اي من القيادات الموجودة . ولعل كل ما حدث من مشكلات ومعوقات لمسيرة الثورة لم يكن الا نتاجا لهذه الاخطاء التى يصل بعضها للوصف بالخطايا . والآن وبعد طوفان الشعب الذى زلزل الارض تحت خطا العسكر وتابعيهم ، وايضا بعد اعتراف بعض الاطراف التى كانت تغض الطرف عن تلك الخطايا لشئ فى النفوس مختلف الوانه ولكنه لايمت فى نهاية الامر الى الثورة وشعاراتها ، أصبح لابد من الكشف عنها بدون مواربة . وقد كنت اريد ان ينتهى حديثى عن الخطايا بهذا الحد ، لكنى فوجئت بتسجيل صوتى ينسب للسيد مناع ، اعتقد ان مافيه يلخص المصائب التى حدثت ولازالت تحدث نتيجة مااسميناه بالخطايا فى ماسبق من حديث . فهو يقول انهم فى لجنة التفكيك، وحسب منطوق قانون اللجنة، ينحصر دورهم فى تفكيك نظام الانقاذ وبالتالى فهو لايشمل الفترة الانتقالية ولكنهم بحكم عملهم فى بعض التحقيقات التى يجرونها يعثرون ، او بالاحرى يتعثرون ، ببعض حقائق الفساد التى جرت وتجرى فى هذه الفترة الانتقالية ، فلا يستطيعون حيالها غير نقلها لجهات الاختصاص من مثل النيابة العامة ورئيس الوزراء . ثم يأتى ببعض الامثلة التى لاتقل بشاعة عما كان يحدث على ايام الانقاذ وهو مايدل على انها لازالت تعشعش فى اهم المرافق . من الامثلة التى اوردها حسابات لضباط شرطة بملايين الدولارات ، بمالايتناسب مع مرتباتهم، تقود الى انهم يتعاملون مع بعض الجهات الانقاذية . وانهم رفعوا الامر الى النيابة ولكن بلا طائل ! وتحدث عن موضوع تهريب الذهب وهو امر ادهى وامر ، حيث يذكر ان طائرات تنقل الذهب الى سوريا قد قامت ودون تفتيش بحوالى ثماني وعشرين رحلة خلال عدة شهور ، وهذا فى رايى مايفسر الفرق بين انتاج الذهب الحقيقى الذى يفوق المائتى طن فى السنة وما يدخل فى حسابات الدولة بالفعل . كذلك تحدث عن آخر كمية من الذهب ضبطت فى مطار الخرطوم وتقدر بحوالى ثمانية عشر كيلو وقال انها تتبع احد قادة الفصائل المسلحة ،ولذلك فقد تبخر الحديث عنها عند الاكتشاف ! وانهى السيد مناع حديثه بانه ىعتقد انه لايوجد قضاء ولانيابة ولاشرطة حقيقية فى البلاد . ولا ادرى ماذا تبقى من مهام الدولة بعد اضافة هذه المجموعة الهامة من المهام الى ماسبق من اخطاء يشارك فيها بقية مؤسسات الدولة بالتمام؟! لقد نجحت مواكب الحادي والعشرين من اكتوبر فى عدة اتجاهات : فهى قد اثبتت وعيا هائلا لجماهير الثورة الذين خرجوا بالملايين فى جميع انحاء البلاد بل وفى الدنيا حيثما وجد سودانيون وحددوا للمرة الرابعة، واكثر، طلباتهم . العدد الهائل من الذين شاركوا فى تلك المسيرات وعبروا عن ارائهم فى امهات القضايا التى تقعد بالسلطة عن تنفيذ مهام الثورة ، كان له اثره المباشر على قيادات كانت مترددة فى اتخاذ مواقف الى جانبهم لأن تراجع مواقفها ، واخرى لم تدلى ببعض معلومات هامة لتقديرات خاصة تشجعت للادلاء بها الآن . كانت النتائج المباشرة هى اعلان مركزية الحرية والتغيير فى مؤتمرها الصحفى اليوم على توحدها خلف تنفيذ شعارات واهداف الثورة وكذلك فعل الدكتور رئيس الوزراء على لسانه ولسان مستشاره السياسي الذى وضع نقاطا كثيرة على حروفها فى حديثه كمسئول فى مؤتمر الحرية والتغيير. كل هذا يعبر عن خطوات هامة الى الامام فى مسيرة الثورة الظافرة ، باذن الله ، ثم اصرار الثوار . لكن يتبقى امران هامان لابد من الاشارة اليهما فى ختام هذا المقال : الاول : هو ان اهداف الثورة لاتعنى باى حال الرجوع الى ماقبل الانقاذ كما يعبر البعض ويتمنى بعض آخر ، بل هى تعنى بتغيير شامل وكامل لبناء سودان جديد على اساس ديموقراطى يكفل الحرية بمعناها الشامل والعيش الكريم الذى لايفرق على اساس الجهات او الاثنيات او الانتماءىت الدينية والفكرية والسياسية . ولذلك فان الوحدة المطلوبة يجب ان تشمل المؤمنين بتلك المبادئ فحسب . الثانى : هو ان يستمر الضغط الجماهيرى بدون توقف فى سبيل دفع الخطى لتنفيذ ماتم الاتفاق عليه بين كافة المؤمنين ببناء السودان الجديد ولو استدعى الامر تغييرا جذريا فى التشكيل السلطوى . فقد اثبتت تجارب الماضى القريب ، بعد نجاح الثورة فى ازالة رؤوس النظام ، على الحماس اللغوى " البوقيقى " – على قول اهلنا فى مصر – مباشرة بعد الزخم الجماهيرى – ومن ثم فى اليوم التالى يبدأ العد التنازلى ، وهو مايلحظه اى حصيف، منذ يوم الجمعة الثانى والعشرين من اكتوبر . فيا شعبا لهبك ثوريتك ... استمر فى الاشتعال هذه المرة الى حين وضع ارجل السودان على بداية طريق التجديد !
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة