ملخص ماسبق : تحدثنا فى المقال السابق عن التجربة التى مرت بها محاولات حل مشكلة جنوب السودان كنموذج يمكن الاستفادة من سلبياته وايجبياته فى ايجاد الأسس الصحيحة لحل جذرى لقضايا السلام والهامش ، خصوصا وقد خلقت ثورة ديسمبر المناخ الملائم لهذا . وكان ملخص الحديث : انه لابد ان يتم ذلك فى اطار وطنى ديموقراطى يضمن تحرر الأقتصاد الوطنى من السيطرة الأجنبية ويضمن القيادة السياسية للعناصر الوطنية غير المرتبطة بالأستعمار فى اشكاله الحديثة ، يضع خطة شاملة للتنمية الأقتصادية والأجتماعية بهدف ازالة التشوهات التى تقف فى طريق تكوين الأمة الحديثة ، ويسعى لتطبيق ديموقراطى حقيقى وعدالة أجتماعية شاملة . تحقيق حكم ذاتى لمناطق الحرب والتهميش يقوم على أساس ردم الهوة الأقتصادية والأجتماعية بين تلك المناطق والمركز وذلك فى اطار توفر الشرط الأول الذى بدوره يضمن المناخ لنشوء حركة ديموقراطية تقدمية تسعى لقيادة التحولات الجذرية فى تلك المناطق كجزء من قوى الثورة والتقدم فى الوطن بأكمله . تمكين الجماهير فى تلك المناطق من المساهمة فى اختيار حكوماتهم الذاتية وممثليهم فى المركز وتاسيس مؤسساتهم الديموقراطية من احزاب ونقابات فى مناخ ديموقراطى كامل يضمن الحريات الفردية والجماعية فى التنظيم والخطاب ..الخ هل ينجح الحكم الأنتقالى فى تحقيق الحل الجذرى لقضية السلام والهامش؟ نحاول الأجابة فى هذا المقال . فى البداية لابد من التعرض لمواصفات الوضع الأنتقالى الذى نتج عن شهور من الصراع بين ممثلى النظام القديم ومكونات الثورة من الجماهير المعتصمة أمام القيادة العامة والقيادة التى تكونت فى اللحظات الأخيرة من جماعات متباينة الرؤى كشرط ضرورى لأنجاز المرحلة الأولى من الثورة بأسقاط نظام الأنقاذ ، وفى هذا : أولا : لابد من الأشارة بوضوح تام لأن المجلس العسكرى الذى تكون نتيجة الصراع بين جناح يمثل النظام القديم بدون أدنى شك وبأعتراف من بعض قيادات ذلك النظام ، وجناح أدعى الأنحياز الى الثورة ، قد اضطر، نتيجة للضغط الذى مارسته الجماهير، لقبول حل وسط بتنازله عن بعض الشروط فى الوثيقة الدستورية ، وان كان قد أتضح لاحقا أنه التف على بعضها ببعض الصياغات المبهمة . وقد وضح ذلك عمليا فى مواقف ممثليه اللاحقة من قضية تعيين رئيس القضاء ةالنائب العام وكذلك التعامل مع مبادرة الرئيس سلفا كير . وقد تكون هذه المواقف أول الغيث . ثانيا : الأشارة الى ان التناقضات فى المواقف داخل قوى الحرية والتغيير ، والتى اشرت الى موضوعيتها فى عدد من المواقف يمينا ويسارا ، ستزداد فى مرحلة مابعد اسقاط النظام ، وهو ماحدث بالفعل بالرؤيا المجردة لكل ذى عينين . هذه التناقضات تعبر عن رؤى تعكس مصالح اصحابها . فهناك مثلا الرغبة فى انتخابات مبكرة مقابل الرغبة فى فترة انتقالية طويلة وفاعلة . ولاشك فى انه سيكون لها أثرها فى رؤية الحل لقضية الحرب والسلام . ثالثا :لقد ظلت قضية السلام والهامش متنازعة بين قادة الحركات المسلحة وأصحاب القضية الأساسيين فى مناطق النزاع . لانشك فى الدور الذى لعبته الحركات فى النضال ضد النظام وبالتالى حقوقها فى مابعده ، وذلك من غير اعتبار لأسباب أختيارها لهذه الوسيلة أو دوافع نشوئها أو حتى تذبذب مواقف بعضها من النظام البائد ، غير ان ذلك لايعطيها الحق فى احتكار الناتج عن اقتسام السلطة والثروة ، اذ ان المعنى به فى النهاية هوجماهير تلك المناطق وليس ممثليهم من السياسيين والقادة المسلحين كما ظل يحدث على ايام النظام السابق وفى حالة الجنوب . ولعله من اللافت للنظر أن من مثلو فى النظام السابق على مستوى مناطقهم والمركز من قيادىى دارفور، قد كانوا أكثر من أى منطقة أخرى . ولكن هل كان لذلك أى أثر ايجابى على مناطقهم المهمشة ؟! بالطبع سيكون لهذه الملامح الرئيسة للفترة الأنتقالية اثرها على الحلول المنتظرة لقضية السلام والهامش . وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود من هذا الأثر نشير الى بعض المبشر والمنذر من هذه الملامح : المبشر الأول : هو وجود الكتلة الثورية التى ظلت الضامن الأساسى لتحقيق مطالبها وشعاراتها. فهى التى اسقطت النوايا الخبيثة لمؤامرة الثلاثين من يونيو بمواكبها الشهيرة ، وهى التى أخرجت مليونية المطالبه بتعيين رئيس القضاء والنائب العام تعبيرا عن رغبتها فى تحقيق عدالة انتقالية ناجزة . ان استمرار وجود هذه الكتلة متحدة حول اهداف ثورة ديسمبر المتفردة شرط ضرورى لتحقيق هدف السلام كأولوية أولى وأساسية لتحقيق كل أهداف الثولاة الأخرى . وقبل ان اتخطى هذه النقطة فلابد من الأشارة الى المخاطر الذاتية والمفتعلة من أطراف أخرى عديدة لتفكيك هذه الكتله ، وبما أن المخاطر الذاتية هى الأكثر أهمية فان تبيانها بشكل قاطع وواضح يصبح من الضرورة فى المكان الأول . أشير أولا الى ماحدث من تناقض فى مواقف الجماعات المكونة لكتلة قوى الأجماع بعد ان أعلن الحزب الشيوعى موقفه من الوثيقة الدستورية ومؤسسات المرحلة الآنتقالية بشكل عام . لاشك فى ان هذا التناقض قد أثر على فعالية الكتلة بشكل عام وبالتالى على فعالية قوى الحرية والتغيير. وقد بينت رأيى فى مقال طويل بالراكوبة حول موقف الحزب وأحب أن اضيف هنا الى ان هذا الموقف ، من غير اعتبار للرأى حول صحة بعض جوانبه او خطأ بعضها ، يجب الا يؤثر على دور الحزب فى الرقابة وتصحيح مايراه خاطئا فى أعمال قحت او المؤسسات الأنتقالية . ثانيا لابد من الأشارة لما يتردد حول المواقف المتعارضة بين من خرجوا – أو اخرجوا- من الحزب والحزب . ومن الطبيعى ان يوجد هذا التعارض بين فريقين اختلفا لحد الفراق ، غير انه من غير الطبيعى ان يترك الطرفان لهذا التعارض ان يؤثر على تحقيق الأهداف العليا للثورة الا فى حالة اعلاء المطامح الفردية أوالأستماع الى شياطين الثورة المضادة! وأذكر هنا ايضا بالأنقسام الشهير بعد انقلاب مايو ، وعلى أثره المدمر للحزب بشكل عام وعلى قضية الحكم الذاتى بشكل خاص ، حيث انقسم موظفو وزارة شئون الجنوب الى قسمين مما شل اعمالها حتى جاء الأنقلاب كقاصمة الظهر .العمل والتركيز على وحدة هذه الكتلة والأضافة اليها و" تكريب " عملها ، يظل واجبا مقدما لقوى الثورة . وكذلك من الملامح المبشرة موقف الحركات المسلحة من الحكومة الأنتقالية حيث صرح الطرفان بأنهما لا يتفاوضان كطرفين مختلفين وانما يتبادلان الرأى كطرف واحد يسعى الى ايجاد أفضل الحلول لقضية مشتركة . أما فى الجانب المقابل ،أى العناصر المضادة لأيجاد حل جذرى للقضية ، فانه اضافة الى سعى الثورة المضادة لاستخدام القضية كأحد الاسلحة الماضية ، فان الرؤية التقليدية للحل والتى يلتقى فيها اصحابها مع بعض المكونات الحزبية بقوى أعلان الحرية وبعض العسكر، تمثل العقبة الرئيسة أمام تنفيذ حل يخاطب جذور القضية بشكل نهائى . وقد بدأت تظهر ملامح هذه الرؤيا حتى فى بعض نتائج اللقاء الذى تم بين ممثلين للمجلس السيادى وبعض قادة الحركات المسلحة ،وذلك فى تأجيل انشاء المجلس التشريعى وولاة الأقاليم ! ونواصل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة