فلنرتاد مرةً أخرى عالم العجائب والغرائب الذي أحاط ببلادنا من كل إتجاه ، فقد كان سابقاً من العجيب أن يُنعت بلدٌ يشقهُ النيل من جنوبه وحتى آخر شبرٍ في شماله ، ويتوسطهُ نهرين من أغنى الأنهار الفرعية في العالم بأنه (سلة غذاء العالم) بينما يُصنف أهله من أكثر الشعوب فقراً في العالم ! ، ويشقى أغلبهم بل يستميتون يومياً من أجل الحصول على أفقر ما يمكن أن يُسدُ به الرمق ، ومن العجائب في بلادٍ كهذي حيث لا شيء يطغى فيها في عصرنا الراهن سوى المعاناة والفقر والحاجة والجهل الإجباري والإنفصام التام لحكومتها عن واقع الشعب المرير ، أن يُضبط في بيوت نافذيها وموظفيها خزائن تنوء بمئات الملايين من الدولارات ، في الوقت الذي ألقى فيها وزير الخارجية السابق قبل شهور (بُكائيته) البرلمانية الشهيرة التي أعلن فيها إفلاس الدولة بعجزها عن دفع مرتبات طواقمها الدبلوماسية ، ومن العجائب والغرائب التي ما زالت تستعصي على فهم المتخصصين مهما بلغت درجات نبوغهم ومقدراتهم على التحليل ، أن هوجة الفقر العام والتدهور الإقتصادي الذي بات يعترف به نافذي حكومة المؤتمر الوطني بكل (برود) و شفافية ( مُقلِقة ) من باب أن الأمر يُدهشهم مع المندهشين وكأنهم في ذلك لم يكونوا من الضالعين ، لم يوقف ولا لحظةً واحدة حركة أرباح الشركات المشبوهة في تبعيتها وصكوك ملكيتها ، ولم يؤثِّر في نشاطها قيد أنمله ما صدر من قرارات أُريد بها كما يقولون (إصلاحاً إقتصادياً) ، وكذا المباني الفاخرة والمركبات الفارهة لم تزل تترى داخل الأحياء المخملية والشوارع الإستثنائية في الأحياء التي يُباع في معارضها وأسواقها كل ما لا يمكن أن يخطر على بال أحدٍ من المساكين الحيارى المنتمين إلى فئة الكادحين ، ومن الغرائب أيضاً أن حركة الإصلاح والحرب ضد الفساد التي ملأت بضجيجها المواعين الإعلامية (الطبَّالة) ، لم تملأ السجون وساحات العدالة بالقطط السِمان الذين ما زالو (يتضَّرعون) صلفاً وكبرياءاً وعزيمة ، ومن الغرائب والعجائب أيضاً أن بعض الناس وأظن أغلبهم من البسطاء باتوا يقتنعون أن الفساد المالي والتعدي على مال الشعب والدولة هو جوهر صفات زعماء الأمة من الذين رفعوا راية الإسلام هتافاً وشعارات مهرجانية ، وظنوا أن هذا هو الحد الوحيد لموبقاتهم وسوءاتهم ، ثم يتبيَّن لهم بعد حين أن من يُفرِّط في الأمانة ويُصاب بداء الخيانة ، لا يمكن أن يُغلق في وجهه بابُ من أبواب الموبقات الأخرى ، فمن يخون الأمانة هو على إستعداد معنوي وأخلاقي ، أن يزني ويفتن ، و يقتل ويٌفرق بين المتحابين والمتضامنين من أجل الحصول على المصلحة ، أخشى أن تكون إحدى دواعي إستغرابنا أن يُكشف أهل الفساد في موبقات أخرى غير الإعتداء على المال العام ، توقعوا ما يُثبت وجود إياديهم الخفية في كل جريمةٍ تُخل بالشرف والأخلاق وشريعة الدين الحنيف ، اللهم أرحمنا بما رحمت به المستضعفين في القرون الأولى .
07-22-2018, 03:44 AM
بكرى ابوبكر
بكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة