الموضة هذه الأيام التي يتبعها معظم القيادين والنافذين في حكومة المؤتمر الوطني ، كلما حانت الفرصة الإعلامية وإعتلى احدهم منبراً ، هي بدأ الحديث أياً كان محتوى الفعالية أونوعها بالجملة التالية (نحن على علم بالضائقة المعيشية التي يعانيها المواطن ونقدِّر صبره على ذلك) ، ثم ينداح في الحديث عن ما جاء من أجله ، ويبدو الأمر كأنه إعتذار أوتطييب خواطرأو نوعٌ من العلم المُسبق بما يمكن أن يجيش في صدور الحاضرين خصوصاً أولئك المنتمين إلى فئة الغُبش الغلابة ، من مشاعر مفادها الإحساس بأن كل نافذ أوصاحب سلطة في منظومة المؤتمر الوطني لا يمكن بأيي حالٍ من الأحوال أن يكون على إدراك حقيقي لما وصل إليه أمر الفقر والعوز وقلة الحيلة عند الأغلبية العُظمى من أبناء الشعب السوداني الصامدين والمصنفين خارج نطاق الطبقة (المخملية) التي تعيش في أجواء داخل السودان هي عبرة عن (كبسولة) مصممة ضد الإحساس بالواقع والإحتكاك بالآلام اليومية لمواطني هذه البلاد ، ويذكرني هذا الأمر ما كان من أمر السجال الذي دار في موضوع الفرق الإستعراضية التي إشتهرت بإلقاء النكات في قوالب قبلية ، حين تم إنتقادها إعلامياً ودرامياً من باب أنها تُشعل نار القبلية وتنفُض عنها الغُبار ، فأصبح أصحاب تلك الفرق مضطرين قبل بدأ وصلاتهم الكوميدية أن يُشيروا إلى أنهم ضد القبلية وأن النكتة التي سيتم إلقائها تخص قبيلة كذا ، ثم يُشير إلى أنه من ذات القبلية ، يشبه ذلك تلك الموضة (الإعتذارية) التي إنتشرت في خطابات النافذين في دولة المؤتمر الوطني ، وكأنهم يضعون مخدراً موضعياً ومؤقتاً في قلوب الناس حتى يوهموا بأنهم بعضاً من شتات هذا الشعب ، و للحقيقة فإن أول من إنتبه وأشار إلى ذلك الإنفصام الواقع بين حكامنا اليوم وعامة الشعب بل وعامة موروثاته وأخلاقياته وثقافته في شتى المجالات هو الأديب العالمي الراحل الطيِّب صالح الذي سمى أحد مقالاته الصحفية في مجلة المجلة بـ (من أين أتى هؤلاء ؟) ، نعم أن ما يحدُث من إزهاق لروح الإنسان وتبديد لحرياته وآماله وطموحاته اليوم هو مثار تساؤل حول الإنفصامية الواقعة بين (المُغيَّبين) في نشوة السلطة والنفوذ وبين سيكولوجية الإنسان السوداني المعروفة والموروثة والموثَّقة عبر التاريخ ، كيف لهم أن يهنئوا بدِعة العيش وغيرهم جائع ومغلوب على أمره ، وكيف لهم أن يستلذوا بطيبات دنياهم ، وغيرهم مكتوف الأيدي أمام المرض والموت الزؤام في ردهات المستشفيات والصيدليات التي لا يرد عليك أحد فيها السلام قبل أن تُدخل يدك في جيبك ، لافائدة ولا جدوى من (الترهات) التنموية التي يُمنَّينا بها نظام المؤتمر الوطني على عصا (الوصاية) ، فلا طعم ولا نكهة لرفاهية لم تحققها سواعد من يتذوقها ، ولا مجال لإنفراج حقيقي في حال البلاد والعباد دون (تغيير) حقيقي يُفضي إلى المشاركة السياسية والفكرية والثقافية لكافة أبناء السودان بتعدد توجهاتهم وموروثاتهم ، فلا أحد مُستعِد في معركة (التكوين) هذي أن يلعب دور الضيف أوالمُتفرِّج .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة