(إصلاح الدولة) .. هكذا وبكل بساطة كان عنوان ندوة الأحد بخيمة الصحفيين الرمضانية ، وبغض النظر عن رؤيتي في أن هذا العنوان من الفخامة والقداسة بقدر يجعل منه أكبر وأسمى من محدودية التداول في مجرد ندوة إلا أن الحقيقة المحضة لا تفيد غير أن إصلاح الدولة كمصطلح تعني في نهاية الأمر على الأقل من منظور مُنَّظمي برنامج الخيمة أن الإنقاذ باقية ونافذة ومُتشبثة وخالدة ولا ينقصها إلا (الإصلاح) ، أما أنا وغيري كثيرون فأرى أن الإصلاح لا يمكن أن يبدأ دون هدم وإزالة التالف الذي سبق بنائه حتى يستقيم البناء الجديد ، إصلاح الدولة يا سادتي لا يمكن أن يستوي شكله ومضمونه دون النظر إلى مبدأ (ما بُنيَّ على باطل فهو باطل) ، فمرتكزات الدولة الأساسية المكوَّنه من السياسة والإدارة والثقافة والدستور تقوم الآن في بلادنا على بنية شمولية فيها من العيوب والأخطاء ما يشيب له الولدان ، بعض هذه الأخطاء والتعديات يحتاج علاجها إلى عشرات السنين من العمل والكد والإيمان المُطلق بنقائض الموبقات التي تم إنتاجها ورعايتها منذ العام 89 وإلى يومنا هذا ، كما تجدر الإفادة أن بعض هذه الأخطاء الجسيمة جسامة الكوارث والمصائب الطبيعية غير قابلة من حيث المنطق والحسابات العلمية للمعالجة والتصويب ولا بعد مئات السنين ، اللهم إلا إذا كان للقدر الإلهي والمعجزات الربانية كلمة أخيرة في علم الغيب لا نعلمها ، من أمثال تلك الأخطاء التي لن تستجيب إلى مصل (الإصلاح) مهما صدقت النية (فصل الجنوب) عن السودان الكبير ، وأموال الشعب والدولة التي بُدَّدت وهُجِّرت إلى أصقاع الدنيا ، والأخلاقيات والمُثل والقيِّم السودانية الأصيلة التي ذهبت أدراج الرياح في غياهب فقر المجتمع وإنكبابه الإجباري على تكريس حياته بأكملها للبحث عن ما يقتات به ، والإنفصال الطبقي المنفرط في مسافاته بين أهل الجاه والسلطان وإحتكارية الموارد لفائدة الفئة التي لا تُمثِّل ولا مثقال ذرة من تعداد سكان هذه البلاد ثم الفساد وما أدراك الفساد ، وغير ذلك الكثير مما حدث ومما يمكن تشبيهه بماءٍ إنسكب على تل رملٍ فإستحال جمعه وإعادته إلى إنائه ، تلك أخطاء وكوارث لا يمكن أن يعالجها الإصلاح ولا يصلح فيها غير الإذعان للأمر الواقع والإنخراط في ما يمكن أن يوصف بجديد ، وزير الحكم المحلي بولاية الخرطوم الصحفي حسن إسماعيل أسهب يومها وأجهد نفسه في حصر مسألة إصلاح الدولة في المجال الإداري وبالتحديد في ديوان الخدمة المدنية ، ثم بالغ في إيصال معلومات تفيد أن ثورة الإصلاح هذه المرة جادة وحقيقية ونابعة من الضمائر ثم نسى أو تناسى أن يوضِّح كيف سيتعامل (فكر الإصلاح الإداري) مع جحافل التمكين السياسي داخل الخدمة المدنية وهل سيطالها التفكيك وهل ستنصاع ، ثم ناقض نفسه في ذات المكان والزمان عندما أقر بأن إصلاح الخدمة المدنية عبر (إستراتيجية) لا يمكن أن تقوم له قائمة دون توافق سياسي يضمن في الأساس التداول السلمي للسلطة ، السؤال سيدي الوزير كيفت حصلت أفئدتكم النقية على هذا الإيمان العميق بنزاهة وشفافية الإصلاح الإداري ، وإنتم تعرفون حال البلاد في مجال (التوافق السياسي) والتداول السلمي للسلطة .. هل تدعوننا (خِلسةً) للإسترسال معكم في وهم وغيبوبة الحوار الوطني ومخرجاته وحكومته القائمة ؟! .. عجيب و الله غريب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة