إستمعت وقرأت كثيراً لإنتقادات الكثير من الإعلاميين المختصين وأهل الدين وعامة الناس عن ما سمَّوه (هوجة) الغناء والطرب التي تضرب الأجهزة الإعلامية السودانية وخصوصاً الفضائيات في شهر رمضان الكريم ، ولم أكن أُلقي للأمر بالاً إذ كنت أعتقد أن في ذلك نوعاً من التطرف والغلظة في تطبيق قداسة الزهد والإنقطاع الكلي للعبادة بما لا يعطي منفذاً للأنفس للترويح واللهو البريء خصوصاً إذا ما كان مصدر الإنتقاد والتذمر فيه ما يدُل على تطرف أو شطط مذهبي ، لكن الآن وقد مرَّت السنوات تلو الأخرى وفضائياتنا تصر على أن تُعطي العالم من حولنا بإعتبار أن مشاهدة الفضائيات تجاوزت النطاق المحلي إلى العالمي ، ما يفيد أن هذه الأمة لا تملك ما تقدمة لنفسها وللآخرين سوى الغناء والطرب المتواصل بالقدر الذي يجعل (أجعص) الطروبين يشعر بالملل وبالمبالغة التي دخلت فيها الفضائيات في منافسة لا فائدة منها للجمهور ولا تدفع من ناحية أخرى بعجلة الإنتاج الموسيقي والغنائي ولا مسيرة الأغنية السودانية ، والغريب في الأمر أن (الوسط الثقافي والإعلامي) الذي يفترض أن تدور حوله فضائياتنا تأثَّراً وتأثيراً من منطلقات كثيرة أهمها القرب الجغرافي والتشابه الثقافي والتراثي هي المنطقة العربية والتي إشتهر بثها التلفزيوني منذ القدم بالإهتمام بقطاع الدراما في رمضان ، حيث تُفرد لذلك الميزانيات الضخمة قبل وقت بعيد من قدوم الشهر الكريم وتُستجلب لها الرعايات والإعلانات وهو من ناحية أخرى موسم حقيقي لبزوغ النجوم الجُدد من ممثلين ومخرجين وكتاب ، وفي ذات الوقت هو موسم إستثماري هام ومؤثِّر في أرباح ونجاح الفضائيات ، فلا أدري لماذا تُغرّد فضائياتنا خارج سرب وسطها العربي وتعمل على تحويل كل (المُتغيِّر) البرامجي في رمضان إلى جوقات موسيقية وجلسات غنائية لا يبدو عليها بذل أيي مجهود أو إبداع يوحي بأن ما يُبث تم التجهيز له منذ مدة مناسبة قبل قدوم شهر رمضان ، فالإرتجال يظل سيِّد الموقف والتكرار هو غاية البذل والمبتغى والأخطاء الفنية والعيوب أصبحت من الوضوح بالقدر الذي يجعل من اليسير على أيي مشاهد عادي وغير متخصص إكتشافها وجعلها مواد للإستهزاء والتندر في وسائط النشر الإلكتروني ، فما بالك عن ما يجيش في فكر وقلوب الآخرين من الشعوب الذين يتفرَّجون خِلسةً على ما تنتجه فضائياتنا من (هراء) موسيقي وغنائي يدعو إلى الرثاء ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كان لابد من (ثورة) الطرب والغناء الرمضاني أن تضج في فضائياتنا شئنا أم أبينا فلماذا لا يتم توظيفها لإنتاج غنائي وموسيقي (جديد) يساهم في إخراج المشاهد من الملل الذي يسبِّبه التكرار والتشابه في المنتجات المُقدَّمه ، وكذلك يعمل على تفعيل حركة التجريب والتجديد بما يُفضي إلى إنبلاج مدارس جديدة تُسهم في توجيه التأليف الموسيقي والشعري والأدائي ، فضلاً عن وقف جريمة ترديد وإجترار أغاني الروَّاد ومعظمها أو كلها مسجَّلة بأجود صورة وصوت وإخراج وقابعة في أرفف (مهملات) المكتبات بتلك الفضائيات ، ما الذي يُجبر المشاهد للإستماع أوالمشاهده لأسطورة وردي الموسيقية (الطير المهاجر) بصوت فلان أو فلانه وهي موجودة بصوت مبدعها الحقيقي وصورته وأدائه الذي لا يختلف عليه إثنان ؟ .. أليس نحن من قلنا قديماً (سمِح الغُنا في خشُم سيدو)؟ ، ومن ناحية أخرى إن إقتنعت فضائياتنا وركَّزت على صناعة وتقديم الجديد فإنها بذلك (تُجبر) الكسالى من المطربين الجُدد على الإجتهاد لإنتاج أعمالهم الخاصة ليواجهوا بها الجمهور ذلك الحكم الذي لا يُجامل ولا تخفى عليه خافية ، فضلاً عن تحصيل (حماية) جواهرنا الموسيقية والغنائية التي أنتجها جيل الروَّاد بالبذل والوفاء والإبداع الخالص من التشوية والتغوَّل والتطُفُل الظالم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة