المثل السوداني أعلاه بالمنظور السياسي يعني (التمكين) ، بمعنى أن تُعالج كل مشكلة داخل إطار البيت ، حتى تتضاءل فرصة أن يحصل أحد المتفلتين على جزاءه إن عُولجت مشكلته خارج البيت وبمعايير عامة تخلو من خصوصية ما يمكن أن يُسمى عطفاً أو إنحيازاً طبيعياً وتلقائياً من قِبل ناس (زيتنا في بيتنا) تجاه بعضهم البعض ، ولقد ظل الحكم الإنقاذي منذ إنتزاعه السلطة في السودان يؤطر لأوجه الحق والعدالة والمساواة من منظوره المُستمد من مبدأ التمكين ونظرية زيتنا في بيتنا ، فإذا تم إثبات حالة الفساد المالي والتعدي على المال العام بالبيِّنة والشهود والوثائق ، كان أمر الذهاب للمحاكم وترك الموضوع للمنظومة العدلية التي ستتبع أحكاماً قياسية وعامة فيه نوعٌ من العنت والمجازفة ( بإخوان ) لهم من الصيت والتاريخ والتفاعل التظيمي ما يمثل مُبرراً لحمايتهم ، فلا يكون هناك مناصٌ من إدراج خطاياهم وتجاوزاتهم في قائمة الحلول التي يوفِّرها مبدأ زيتنا في بيتنا ، فالتحلُل من حالة الإستحواز على المال العام أو التصرف في أملاك الدولة بالتزوير وإستغلال النفوذ والتحايل البيروقراطي الإداري هو في واقع الأمر حالة تطاول على مُطلق ما تنص عليه القوانين المُعدة لمجابهة كافة الحالات والطبقات ، بإعتبار أن ما تم نهبه هو زيت البيت ومن نهب هو من آل البيت ، المصيبة الكبرى أن الذهنية المباشرة للتفكر حول موضوع نظرية التحلل من المال العام لا يمكن النأي بها عن كون من يقفون على سُدة حكم البلاد ينظرون إلى المال العام وأملاك الدولة وكأنها إقطاعية (بلا مالك ولا وجيع) بالقدر الذي يجيز لهم أن يُقحموا ما يتماشى مع مصالحهم السياسية والشخصية والعلائقية لتطويع قناة القانون واللوائح لصالح (إنفلات مناسب وغير مُحرج) للدولة وثلة النافذين فيها ، وههنا تكمن خطورة حكم الحزب الواحد في ما يتعلق بالفصل المصلحي بين ما هو للدولة وما هو للحزب ، هذا الفصل كان وما زال وسيكون مستحيلاً مهما رددت أبواق الأنظمة الشمولية ما يفيد عكس ذلك ، فالحالة الواقعية والملموسة للحزب الحاكم وما يبدو عليها من إنتعاش واضح وبيِن فيما يختص بموجوداته المالية الضخمة والتي تُعبِّرعنها فعالياته وقدراته التنظيمية والتأمينية والحالة المادية الناضحة بالثراء للمنقطعين في أعماله التنظيمية تجعل من الصعب التصديق أن مُجمل مصادر التمويل فيه هي مجرد إشتراكات أعضائة الشهرية ، وهذا أيضاً وجه آخر لنظرية ( زيتنا في بيتنا ) ، فمن يجلس على كرسي السلطة والسطوة وحيداً لا يمكن أن يتفادى عقله الباطن أنه يملك جُل ما حكم ، ولا يستطيع أن يُفرِّق بين بيته ودولته وحقوقه وحقوق الآخرين والوطن ، لذا فإن أقسى ما يُمكن أن يُطلب من المؤتمر الوطني من تنازلات لصالح التوافق السياسي والسلام والمشاركة هو تفكيك صخرة التمكين الصلدة التي تم بنائها في ############ات الخدمة المدنية ومؤسسات وهيئات الدولة الإستراتيجية ، ثم رفع يد التنظيم كلياً عن موارد الدولة ومكتسباتها العامة والقومية وإثبات ذلك بإخضاع حسابات الحزب للمراجعة إلى حين التوافق على دستور يضمن مشاركة كل القوى السياسية ، وهذا التفكيك يحتاج إلى إرادة وعزيمة وإيمان عميق بحجم أضراره على الأمن والتعاضد الإجتماعي والتوافق السياسي فضلاً عن الإنتاج العام وحركة التنمية القومية .. وليكن شعارنا الزيت زيت الجميع والبيت بيتنا كلنا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة