كثيرٌ من الأحداث العامة التي يكون للدولة فيها يدٌ ضالعة ، تبدأ سيناريوهاتها (إجباراً) بإنتشار خبرها الأول إما عن طريق الصدفة البحتة ، أو لأنها وقائع حدثت في قارعة الطريق وأمام أعين الناس ، ولأن شُبهات الفساد أصبحت بالمطلق أو تكاد هي السمة العامة (للمداولات المعتمة) التي تُعالج عبرها المواضيع ، فإن سيناريو توالي أخبار الموضوع أوالقضية أوالحدث سرعان ما يخبو أواره ويتحوَّل إلى (طبيخ) خلف الكواليس المُظلمة ، أما المتابعين من بعيد أو قريب من أمثالي فلطالما أصابهم الضجر والإحساس بالإحباط جراء(عدم بث الحلقة الأخيرة من مسلسل الأحداث) ! ، وعدم مشاهدة نهاية الحكاية والرواية كما تعلمون يفعل الأفاعيل في مخيلة المتضجرين ، فيعالج بعضهم ذلك الغيظ والوجع بالإسترسال في سعة الخيال ومحاولة وضع تصوُّر منطقي يمكن أن تنتهي به الأحداث ، وآخرين من نفس الفئة حباهم الله بنعمة (البرود) والمقدرة على تجاوز أوجاعهم في هذا المجال بنظرية الطناش ومحاولة الإستغراق في موضوع جديد ، أما أهل الصحافة من أمثالي والذين شئنا أم أبينا يعتمدون ولو بنسب متفاوتة على نظرية إكتمال الحقائق والمعلومات و(الشمارات) فهم أكثر المتضررين من عدم (بث الحلقة الأخيرة) من مسلسل الأحداث التي تحيطها الدولة بالرعاية ، وللزميل الصحفي المخضرم الفاتح جبرا مساجلات تاريخية حول أوجاعة الخاصة بعدم إكتمال بث (جميع) حلقات مسلسل التعدي على خط هيثرو ، وتساءل الكثيرين عن ما آلت إليه أحداث الحلقات الأخيرة لمسلسل قضية شركة الأقطان ، ومسلسلات أخرى كثيرة من أواخرها ما تم إكتشافة من فساد موظفين ببنك السودان ، وللحقيقة فإن عدم إكتمال نهايات المواضيع والأحداث في ثقافتنا المعلوماتية والإدارية والقانونية المعاصرة مرتبطة بقدرات الدولة المهولة والفعَّالة في التحكم في سريان الخبر وإنتشار المعلومات بالقدر الذي يسمونه (هُم) حفاظاً على مسار مجريات العدالة وأحياناً الأمن القومي ، ونسميه نحن (وأد) واضح وصريح لحرية التعبير ومبدأ تمليك المعلومات للجماهير الذين هم أصحاب الحق الأساس في المال العام وكذلك هم المستفيدين الأوائل من إيجابيات إتساع رقعة الشفافية في كل ما يقع من أحداث وقضايا ومشكلات داخل دواليب الدولة ، وأحيانا تسود هذه الثقافة حتى في الأحداث العادية والتي لا تشوبها صبغة سياسية بقدر ما هي مشكلات متعلقة بالأداء الإداري والفني لجهةٍ رسمية ما ، فمن الطبيعي أن يُنشر على المستوي الصحفي والشخصي عبر الوسائط الإلكترونية خبراً عن قطار تسبب في حادث في موقف جاكسون أدى إلى مصرع وإصابة إشخاص ، لكن من غير الطبيعي أن لا تُكمل جهات الإختصاص كوزارة الداخلية وهيئة سكك حديد السودان (حلقات المسلسل) بتصريح أو تنوير للصحافة وعامة الناس يُعبِّر عن إهتمامها ويوضِّح بعضاً من إجراءاتها الجزائية والفنية والإدارية التي تضمن عدم تكرار ما حدث ، كل حياتنا المعاصرة محاصرة بستار من عدم الشفافية ومحجوبة بسُتر من الظلام يوحي بأن هناك شيئاً ما (لم يتم بثه) وما من مُبرِّر لذلك إلا محاولة ستر القبائح أو ربما المساهمة في دعم إثراء روح الخيال والإستنتاج في عقول الجماهير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة