قديماً كان لكل سوق ً كبيراً أو زعيماً و عمده ، يلقِبونه بشاه بندر التجار ، في ذلك الزمان كانت القيِّم والأخلاق النبيلة سائدة و في مقدمتها الأمانة و الصدق و التقوى في ممارسة البيع و الشراء ، أما الآن و قد أصاب الهلع أصقاع البلاد و أرواح العباد ، أصبح الناس تجاراً و مُشترين ، لا يأبهون بحلالٍ و لا حرام ، و لا يتوانى الفرد منا إلا من رحم ربي أن يمتطي ظهر أخيه في غفلة ٍ منه و يُلبسه ( الطاقيه ) ، فتنقلب حياة الضحية إلى جحيم و تتعقد حساباتها ، بعض الضحايا كان نصيبهم السجن بعد أن أصبحوا في عداد الغارمين بعدما خسروا رؤس أموالهم عبر عمليات طالتها يد الغش و الغدر من مقربين تمثَّلوا صفة الأصدقاء و الحادبين ، و بعض الضحايا عادوا مرةً أخرى يبحثون عن إقامة في السعودية أو إحدى دول الخليج و التي كانوا قد قضوا فيها أكثر من ثُلثي أعمارهم فخسروا ما جمعوا من مال في سنين الغربة المظلمة بالفراق و الشدائد ، و الشاهد على ما أقول أن ظاهرة الفجور في كل مناحي المعاملات الإنسانية و المهنية و السياسية و الإقتصادية ، تابعة أصلاً لدخول معظم الناس في سودان الإنقاذ إلى دائرة الفقر المدقع ، فالعيش أصبح جحيماً لا يُطاق مما أضر بالكثير من القيِّم التي كانت في زمان مضى محط أنظار الجميع ، فأصبح الإخوة الأشقاء بلا حياء و لا خجل يحسمون أمور مواريثهم المُختلف عليها في المحاكم و كان ذلك قديماً يُعتبر فضيحة يُندِّد بها المجتمع ، و أصبح الناس يتهربون من مسئولياتهم اللصيقة على مستوى الأسرة الممتدة ، فلا يستطيع أحد الآن في خرطوم اليوم و ما يعانيه الفرد فيها من شظف عيش و قلة حيلة أن يستقبل أقربائه من الطلاب و الطالبات الوافدين من قريته و ذلك لضيق ذات اليد في ما يحوز من مساحات سكنية أو نقديات يدفع بها إليهم حال ما إحتاجوا دعمه ، فإمتلأت الداخليات بالطلاب و الطالبات ، و ما أدراك بمآلات مكوث الطالبات في الداخليات حينما تكون الإمكانيات المادية لولي الأمر متواضعة و ما يعكسه ذلك من سلبيات أخلاقية أصبحت مثاراً لحكاوي المدينة و مبعثاً لأسرارها الخفية ، شاهبندر الفُجَّار هو كل من أخذه تيار الفقر و العوز و الحاجة بما إقترفته يد الدولة من سوء في الإدارة و إنتشار عنكبوتي للفساد بشتى أنماطه ، فأصبح لا يتردد في فعل أيي شيء من أجل البقاء حياً ، غش و سرقة و تزوير و شهادة باليمين الغموس لمن يدفع ، و إرتفاع في أعداد الأطفال مجهولي الهوية ، و عجزة تائهون في الشوارع بعد أن عجز أهاليهم عن إعالتهم ، متسولون من كل الأقاليم التي تعاني صراعاً عسكرياً ، مرضى يعجزون عن تسديد فواتيرهم فيتركون ما تبقى من علاج و يهربون من الأسرة البيضاء بالمستشفيات ، ملايين الشباب من الخريجين يجوبون الشوارع و يتجالسون تحت ظلال الشجر يهيمون مستوحشين من مستقبل مظلم ، و بين طيات مصائبهم تتربص المُخدرات و الإستلاب الثقافي و فتور الشعور الإنتمائي للوطن و تحدياته و آماله ، شاهبندر الفُجَّار هو ذاك السوداني الذي لا يعتد و لا يلتفت إلا لمصالحه الذاتيه و نزواته الشخصيه في إسترخاص و إحتقار دائم للمصلحة العامة و إستعماء عن رؤية مواجع الآخرين و تحسُس آلامهم و قضاياهم و ما يأملون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة