حينما تُشغل هيئة كبار علماء السودان فكرها ووقتها وإمكانياتها المعرفية وتكاليفها المادية جرّاء إنعقادها بتصريحات على شاكلة (دعوة الرجال إلى تعدد الزوجات) ، يصبح الأمل مستحيلاً في أن تقوم لهذه البلاد قائمة ، فهيئة كبار علماء السودان رغم طبيعتها التخصصية في العلوم الفقهية والشرعية لا يمكن إعتبارها سوى أعلى مركز علمي وتوجيهي وتأثيري في قمة السلسلة الهرمية الثقافية للمجتمع ، ولما كان أمر الزواج من واحدة أو مثنى أو ثلاث أورُباع أو حتى الطلاق مرة أو مرتين وأكثر من أكثر جوانب الحياة (شخصية) في حياة الفرد المسلم فقد جعلت الشريعة من أدائه أي الزواج (فضيلةً) مندوبة ومُستحبه ، وبالتالي لم يكن الإستغناء عنه أو عدم أداؤه مخالفة شرعية أو معصية ، وإلا لو كان كذلك لجعله التشريع الإسلامي من أركان الإسلام بحيث لا يستقيم إسلام الفرد إلا بأدائه مثله الزكاة والحج وغيرها من الأركان الأخرى المعروفة ، لكن ما يهمنا الآن أن هيئة كبار علماء السودان لم ترى مشكلةً من المشاكل الحياتية المضنية التي تُهدِّد مجتمعنا السوداني أهم من دعوة الرجال في السودان إلى ممارسة فضيلة التعدد ، وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الشعب ولا ينتمون إلى طبقاته الكادحه المتعبة برهق اللهث وراء لقمة العيش التي تم إحتكارها لفئة بعينها لا يُميِّزها سوى الإنتماء إلى منظومة الحكم السياسي الراهن والقائم على إعلاء شأن ذوي الإنتماء والموالين والمطبلين وبالمقابل إفناء وإفقار وتشريد ذوي الوجهات المُغايرة والمناهضة لممارساتهم وسياساتهم التي أوشكت على إفناء البلاد والعباد بالحد الذي أفضى إلى إنفصال جزء عزيز من ترابها الطاهر وأقعد عامة الناس عن الحصول على معيشة مُيَّسرة وعلاج ودواء يحفظ الأنفس من التهلكة وتعليم مجدي ومُثمر ومقدور عليه لفلذات أكبادهم الذين هُم مُجمل إستثمارهم في الحياة الدُنيا ، لم ترى هيئة كبار علماء السودان في قضايا مصيرية للبلاد مثل الحروبات الدائرة في كثير من أقاليمه العزيزة وما ينتج عنها من تنكيل وتشريد وتفكك إجتماعي وجوع ومرض ونزوح ما يدفعها لتدلي بدلوها فيه موعظةً وحكمةً ونصحاً ، بقدر ما رأت من أهمية في تشجيع الرجال للغوص في المزيد من الإلتزامات الحياتية والمنغصات المعيشية والفاقة والفقر والفشل الأسري ، اللهم إلا إذا كانت تقصد بدعوتها التشجيعية تلك (حصرياً) نخبة المتمتعين بالسلطة والجاه والمال في هذه البلاد والذين أصلاً لم يحتاجوا ولن يحتاجوا لدعوتها وتشجيعها في هذا المجال ، لأنهم بالفعل قد صاروا مضرب مثل في الإستزادة والشره المرتجف نحو كل ملذات هذه الحياة الفانية بما في ذلك التعدد في الزواج مثنى وثلاث ورباع ، ولو وجدوا من يُفتيهم من الطامعين في إرضائهم لإستزادوا من الزوجات خماساً وسُداساً وسُباع ، وهم أهلٌ لذلك بما كسبت أيديهم من خيرات البلاد والعباد وأعينهم لا تكاد ترى جموع المظلومين وآذانهم لا تصغي لأنات الموجوعين ، دونكم يا من تؤمون مجلس كبار العلماء من يقول(حسبي الله ونعم الوكيل) في غياهب الغيب من الشباب الفقراء الذين بلغوا منتصف الأربعينات من العمر وهم لا يستطيعون الباءة ليتزوجوا ، إسئلوهم وأفتوهم عن مغبة عدم الحصول على عمل أو عن منصرفات الزواج والسكن والعيش الكريم والمقدرة على إدارة أسرة بكل إحتياجاتها في هذا الزمن الكسيح ، هلموا إلى وعيكم المجتمعي وجرِّبوا إنحيازكم للناس والحقيقة المحضة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة