الشعور الجماعي أو القومي بالدونية الذي ينتابنا كلما طالعنا إنجازات الآخرين ، أو تطلعاتهم نحو المستقبل ، أصبح في حد ذاته مِعولاً من معاوِل الهدم النفسي الذي يعصف بآمال الوطن والأُمة ، فالإحباطات التي نتجت من التخبط والأنانية السياسية للنظام الحاكم الآن منذ ولادته وحتى يومنا هذا كانت بمثابة القيد المتنامي الذي يُكبِّل السواعد ويمنعها من تحقيق آمالها وطموحاتها ، بدءاً بالحصول على قيمة إنسانية عالية للشعب بأكمله وحقه في الحرية والحصول على أبسط الخدمات الضرورية ، مروراً بالتمتع بظروف معيشية معقوله ، تمكِّن الناس للإلتفات إلى أشياء أخرى هامة غير اللهث وراء لقمة العيش الفقيرة والمركبات العامة في المواقف ، أهمها إفساح مجال للإبداع في حياتنا ، أو مجال للتفكر في الحالة العامة التي تحيط بالأسرة والمجتمع المحيط والوطن الكبير ، ثم وقبل ذلك كله‘ تمنع سلسلة الإحباطات الجماعية والشعور بالدونية ممن حولنا من شعوب ودول ، عزيمةً متأصِلة في القلوب تنشّد التغيير والبحث عن خيارات أفضل لمناهج وشخوص قادرة على قيادة هذه البلاد إلى بر الأمان ، نعم العزيمة والأمل هما مُجمل ما يجيش في صدور الذين يدفعون ثمن هذه الفوضى الشمولية التي تحكم بصولجان الحديد والنار ، يخدمها الإحساس الذي تأصَّل في قلوب أصحاب المصلحة الحقيقية من حدوث تغيير سياسي يؤدي إلى إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة بكافة قطاعاتها وفي مقدمتها الإقتصاد والتعليم والصحة والمنظومة العدلية ، وفقاً لشروط جديدة تعتمد على المساواة والتكليف بالتأهيل والأمانة والإستحقاق والمنافسة الشريفة ، وشرف المنافسة لا يمكن تعميق فاعليته في شكل ومضمون دولة المؤسسات المنشودة بعد إنسحاب دولة المؤتمر الوطني أو إنهزامها أمام طوف الإصلاح المرتقب ، إلا عبر دراسة عميقة ومؤتمرية تضم النخب السياسية والإدارية والإقتصادية الوطنية والأجنبية المتخصصة وذلك من أجل تحليل وتفكيك التشوهات التصميمية والقانونية والثقافية التي أصابت منظومة الخدمة المدنية وهياكل مؤسسات الدولة ، ليس من ناحية الشخوص وما أوجبه فقه التمكين السياسي فقط ، ولكن يشمل ذلك ما أصاب ثقافة العمل نفسها وأخلاقياته وموقعه وتفاعله مع القوانين واللوائح وقداسة العدالة والأعراف والقيَّم الأخلاقية ، فالظلم بمعناه المجرَّد هو البنية الأساسية التي تقوم عليها الآفات الهدَّامة للدول مثل الفساد المالي والإداري ، والمحسوبية ، وإنعدام الثقة في الأنظمة المالية والبنكية ، وضعف الإنتاج العام وهشاشة بنية الإقتصاد الوطني وترهل وإهتزاز مضامين تحقيق العدالة بواسطة الدساتير والقوانين ، وإتساع دائرة الشِقاق بين الفُرقاء للشعور بالغبن السياسي فيما يتعلَّق بالتداول السلمي للسلطة والإقتسام العادل للثروة ، والتنمية المُستدامة والمتوازنة ما بين المركز والأقاليم ، كل تلك القضايا والمفاهيم تحتاج إلى إعادة ترتيب وقراءات جديدة لمؤثّراتها في حالة الإحباط العام الذي أصاب الشارع السوداني ، وِفق ما أصاب البلاد و العِباد من تبعات الأنا السياسية وإقصاء الآخر ، وغياب المؤسسات السياسية والإعلامية التي تعكس صور الفساد والتجاوزات على مدى الـ 39 عاماً التي مضت من حكم الإنقاذ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة