من أدبياتنا الثقافية و الإجتماعية في السودان المبالغة في تقدير المضامين و نبذ الشكليات بالقدر الذي أضر ضرراً بليغاً بمفهوم الجماليات و الترتيب و التنسيق في شتى شئون حياتنا ، و يقول المثل السوداني ( من بره هلا هلا و من جوة يعلم الله ) مفسراً حالة الشيء أو الشخص الذي لا يُعبِّر مظهره عن مضمونه أو محتواه ، و للحقيقة فإن هذا المفهوم من الناحية الأخلاقية المبنيه على الإعتداد بالمثل و القيم النبيله المتعارف عليها لا يمكن بأيي حال من الأحوال نبذه أو حتى مخالفته ، فأن تكون المضامين و الدواخل نظيفة و نقية و ثرية ، شيئ لا يمكن المناداة بغيره و إلا أُتهم من يقوم بذلك بأنه غشاش ومن الذين يظهرون خلاف ما يبطنون ، غير أن نبذ الشكليات و التقليل من أهميتها بشكل مطلق و مبالغ فيه هو في حقيقة الأمر إتجاه لا يقبل الجدال لرفع علم القُبح و عدم الترتيب و النظام ، و على ما يبدو هذا حالنا في السودان ، نتاج إعتدادنا بفقه إعلاء قدر المضامين على حساب إهمال كُلي أو مُقدّر لأهمية الشكليات في حياتنا ، فنحن وحدنا في العالم من نسفلت الشوارع و الميادين و لا نلتفت إلى دعمها بالأرصفة التي تحميها من الأتربه و تحقق جماليات الشارع ، بل قد يتندر أو يستهزأ بعضنا أن قام أهل الإختصاص أو المنظمات الشعبيه بمحاولة تجميل شارع أو ميدان من باب إحياء مبدأ المثل القائل ( الناس في شنو و الـ ...... في شنو ) ، و بين هذا و ذاك تتشكل ثقافة مجتمع بأكمله و في شتى النطاقات و التخصصات ، فعند المهندسين و المهنيين يكون المهم دائماً أن يعمل المحرك المتعطل ، ثم لا أهمية لتركيب الأغطية و الإكسسوارات المصاحبه ، و كذلك الحال عند إنشاء المباني العامة و الخاصة يعتبر الديكور الداخلي و الخارجي و الدهانات و غيرها من الجماليات أمراً ثانوياً ، و في أحيان كثيرة لا يتم إيداع حساباتها و تكاليفها ضمن إجمالي مبالغ الإنشاء ، كل الأشياء عندنا تسير في إتجاه الإعتداد بالمضامين و المحتوى ، و لا مكان للشكليات في حياتنا ، بل إن بعضنا ينبذها بسفور و يعتبرها باباً للرياء و الغش و الكذب ، ثم إنطلت نفس الخدعة أقصد ( الفكرة ) على معاملاتنا التواصلية اليومية في أيما إطار إن كان إجتماعياً أو أسرياً أو حتى مهنياً ، فأصبحنا لا نعتد بذكر الألقاب المهنية كما يفعل جل الناس في العالم ، و إن ناديت أحداً قائلاَ له ( يا باش مهندس ) إعتبر بعض الناس ذلك شرارةً أولى للتزلف و الرياء و التلويح بأن لك مصلحة شخصية تريد إقتناصها ، ثم سادت حياتنا العاطفية الأسريه تجاه الزوجات و الأبناء إشارات تؤيد الإعتداد بنفس المبدأ ، فالرجل عندنا لا يُعبِّر لزوجته أو شريكته أو أبنائه أو حتى والديه و إخوانه عن تقديره و حبه لهم خشية أن يُعتبر ذلك مبالغةً أو نقصاً و ضعفاً ، تاركاً أمر تواصله العاطفي مع أقرب الأقربين لآلة الإستنباط من ( مضامين ) ما يفعله معهم من أفعال و تصرفات ، أنا شخصياً من الذين يُقدِّرون الشكليات و إعتبرها هالة مضيئة نزخرف و نُجمِّل بها مضاميننا و دواخلنا السمحه و النبيله .. ما رأيكم ؟؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة