نعم إن ما تعانيه الطبقة الكادحة في هذه البلاد من ويلات كافية أن تودي به إلى حافة الجنون والإضطراب النفسي كما أفاد وزير الصحة الولائي قبل أيام ثم أفاد أن نسبة المرضى النفسيين فاقت الـ 40% من مجمل ترددات المرضى على المستشفيات ، وطبعاً ما خفي كان أعظم من باب أن معظم مرضانا في الأغلب قابعين في البيوت ولا يترددون على المستشفيات ، إما من باب أن مجتمعنا ما زال يعتبر إعلان المرض النفسي على الملأ عيبٌ ومنقصة ، وإما من باب إستشراء غلاء أسعار التطبيب والفحوصات والعلاج بعد أن رفعت دولة المشروع الحضاري المزعوم يدها عن كل دعم مادي ولوجستي يصب في صالح قضية صحة المواطن ، من باب أنْ لاضير في ذلك طالما كان أهل السلطة والنفوذ والمقربين والمطبلين و(الغاصبين حق الدولة والشعب بأدوات الفساد التي باتت متوفرة ومضمونة العواقب) قادرين على التطبيب والتداوي خارج السودان بالعملة الصعبة ثم يرجعون عبر ماليزيا أو تونس بقصد النقاهة وإنتهاز الفرصة لصرف ما لديهم من أموال طائلة لا قِبل لأسواق السودان (المتواضعة) بإستيعابها وإمتصاصها ، وأنا لا أستغرب ولا أندهش كما يفعل الكثير من الغافلين عن ما آل إليه حال التفاوت الطبقي في السودان ، ما يطرأ على الشارع العام من حكايات وروايات يراها البعض من نسج الخيال ، ففي شارع النيل أطفال لم يتجاوز عمرهم الثانية عشر أوالرابعة عشر يستعرضون بسياراتهم الفارهة في حركات بهلوانية تحاكي في حقيقة الأمر إستهوانهم بأسعارها التي تجاوزت بضع مئات من الملايين وأحياناً مليارات ، لماذا ؟ لأن آباءهم ورَّثوهم وهم على قيد الحياة فتات ما إقترفت أيديهم في حق السودان وشعبه ، وقد إكتشفت عبر متابعاتي لحالة الفساد التي إستشرت في أطناب الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة الدارة للأموال عبر الجبايات والتراخيص والرسوم نظرية أو مقولة ألَّفتها من وحي أفكاري فحواها (أنه كلما كان أثرى الأثرياء في دولةٍ ما من طبقة الموظفين كلما كان ذلك أصدق إشارةً تفيد أن الفساد قد وصل حده القياسي) ، أنظروا حولكم وأسألوا عن تجار زمان من أصحاب الأسماء المعروفة ، ستجدوهم إما منضمين تحت قوائم أهل العوز والحاجة ، أو ترَّجلوا بعيداً عن عالم المال والتجارة ، لأن معاييره وأشكاله و مضامينه ولغته السائدة أصبحت لا تناسبهم أو هم أصبح غير قادرين على مجاراتها والتعامل معها ، سطوة المال والثراء اليوم لصالح منسوبي الدولة المُحتكرة لفئة بعينها ، جميعهم يحمون بعضهم بعضاً بإسم المصالح المشتركة والولاءات الإنتمائية للمشروع والتنظيم والفكرة ، هذه الأخيرة التي أصبحت تتبدل وتتلوَّن حسب ما جرى به الزمان والمكان والمصلحة الآنية ، نعم فليكن الجنون حليف الفقراء المغلوبين على أمرهم من باب أنه إبتلاءٌ من رب العالمين في باطنه رحمة خفية مفادها أن لا يرى المفجوعين واقعهم المرير لا مستقبلهم المُبهم .. اللهم إفتح على الشعب السوداني فتحاً مُبيناً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة