أول أمس السبت بخيمة الصحفيين إجتهد الأخ وزير الثقافة القومي في شرح فكرة أن الثقافة يصنعها المجتمع وقد إستمعت إلى مقولته هذه أكثر من مرة ، ودائماً ما كانت محوراً منفرداً ومكرَّراً لأسئلة توجَّه له في إطار قصور دور الدولة في إدارة الثقافة ودعمها و(صناعتها) ، وددتُ يومها لو أُتيحت لي الفرصة أو لآخرين كُثر يختلفون مع السيد الوزير حول هذا الفكرة المغلوطة عن دور الدولة في إدارة و تخطيط ودعم وصناعة الفعل الثقافي ، فعلى ما يبدو أن الأمر في في مضمونه الأساسي يتعلَّق بالدفاع المستميت الذي يصب في إتجاه أن الدولة (تخطِّط) وتدير الإتجاهات الكلية للمطلوب الثقافي ، مما يبريء الوزارة من تهمة التقصير ويبرِّر إنحيازها إلى الشِق الإداري فقط في قضية الثقافة السودانية ، فيما نرى أن الصحيح هو الإهتمام بالتفعيل الثقافي المباشرعن طريق تدخل الوزارة ومؤسساتها في ترقية وبناء وتطوير الواقع الثقافي ، وللحقيقة فإن الأمر شاء السيد الوزير أم أبى لا يمكن الإنطلاق فيه خارج إطار ما يمكن تسميته بالـ (القناعة الأساسية للدولة بأهمية دور الثقافة في التنمية المستدامة) ، وهذا ما ظللنا نفتقده عبر حقب من أنظمة الحكم التي مرّت على البلاد ولكن بنسب متفاوته ، فمن المنظور النظري والواقعي لا يمكن أن يفوت على المتمعِّن في أمر وزارة الثقافة ، أنها وزارة مع كامل الإحترام والتقدير لكل من يرى غير ذلك وزارة هامشية ولا يؤخذ أهمية دورها وفعاليتها مأخذ الجِد كما هو الحال في وزارات أخرى تسمى سيادية كالداخلية والدفاع ، في حين أن الشواهد الآنية التي يرصدها كل العالم من حولنا تُدلِّل على أن الصراع القادم هو صراع ثقافي وفكري ، تخدمه إمكانيات الدول والتجمعات الإقليمية والدولية عبر إمكانيات إعلامية تبدأ بآلاف الفضائيات والإذاعات وأحدث سبل الإتصالات وتنتهي بوسائط النشر الإلكتروني وما تنتجه من ثقافة جاهزة ومُعلّبة ومُفصَّلة بقياسات تناسب الجميع ، طبعاً الجميع هنا يُقصد بهم بلدان (الخواء الثقافي) ومناطق الجدب الإعلامي ، مثلما يحدث عندنا الآن ، فحينما تقف الدولة ووزارة الثقافة وقفة المُتفرِّج في ما يحدث من حِراك ثقافي فقير ومحدود بدعوى أن المجتمع وحدهُ هو الذي ينتج ويصنع الثقافة ، لا بد أن يكون هذا المنتوج فقيراً وغير مُعبِّر عن حقيقة شكل ومضمون الإتجاهات الثقافية التي يجب أن تسود في بلد كالسودان ، آفة الفقر العام التي ألمت بالبلاد والعباد لا يمكن أن يخرج من مأساتها منتج ثقافي خالي من التشوهات والنواقص ، هذا غير المفقود منه والذي لم يُنتج أصلاً لنفس الأسباب ، سيدي الوزير من الحقائق التي لا مجال للجدال فيها أن الحراك الثقافي والفكري والإبداعي أصبح صناعة تقف من خلفها الدول حتى لو كان ذلك عبر التشجيع والدعم الموَّجه للقطاع الخاص ، أما مشكلات الثقافة الأخرى المتعلَّقة بحريات النشر والتعبير والعوائق القانونية والإدارية المتعلَّقة بالتصديقات والفسوحات هي من صميم إختصاص وزارة الثقافة و ليس غيرها ، وستظل مهمة إيجاد الحلول لإزدواجية الإتحادات الإبداعية المختلفة وسبر أغوار الخلافات الشخصية بين روادها فضلاً عن تحديات أخرى متعلَّقة بتنمية البنية التحتية للمؤسسات الثقافية وتعزيزها بأهل الخبرة والإختصاص والإفساح لكافة الإتجاهات الثقافية في السودان للحصول على فرصتها في الظهور والتعبير عن نفسها هي أهم ما يمكن أن تعمل عليه الوزارة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة