في غفلة من الزمان وقِلة حيلة المختصين وعامة الناس ، فاجأتنا حكومة الإنقاذ كعادتها ، في زمانها الأول وعبر مؤتمراتها المهرجانية ، التي لا يدفعها سوى (الهياج) و التعصُب المذهبي ، بما سمَّاه (المتنصلون الآن) ثورة التعليم العالي ، والتي تم تتويج مأساتها بتعديل السلم التعليمي للمستوى قبل الجامعي إلى ثمان سنوات متصلة وبالتالي إلغاء المرحلة المتوسطة (التي يتابكون عليها الآن و رجعوا إلى إقرارها مرغمين) ، فضلاً عن تقليص سنوات السلم التعليمي من تسع سنوات إلى ثمانية ، وللحقيقة فقد إنبرى لهذه الطامة في ذلك الزمان المشئوم مجموعة من الحادبين والمتخصصين في علوم التربية وتخطيط المناهج وكذلك الخبراء وأصحاب الخبرات ، لأجل إقناع الحكومة للعدول عن هذا القرار الذي بيَّنوا عيوبه ونتائجه الوخيمة التي حصدناها الآن ولكن في ذلك الأوان كانت السيادة لمبدأ (لا حياة لمن تنادي) في دهاليز النشوة السلطوية والإعتداد اللا محدود بالمصادر الفكرية للنظام الحاكم والتي لم يكن ينتجها سوى الخيال الشخصي والإنطباع الذاتي لمن تولوا إتخاذ القرار في المجال المذكور ، قال الخبراء حينها أن المناهج الجديدة لا تتواكب مع المخططات الإستراتيجية التي يجب أن تتبنناها البلاد في مجال توجيه التنمية العامة ومناظير تحديد الهوية الإقتصادية للسودان ، فضلاً عن المشكلات التربوية الواقعة في مجالي علم السلوك وعلم النفس التربوي ، عبر ما يمكن أن تُحدثه البيئة المدرسية من سلبيات نتاج (التباين) العُمري الذي يعانيه الطلاب بسبب تواجدهم في مدرسة واحدة ، و لما كانت السمة العامة لإتجاهات إتخاذ القرار في سوداننا المنكوب عادةً لا تنبع من واقع التجارب والتدارس والبحث ( النزيه ) ، تم فرض القرار وتنفيذه فكانت النتيجة الحصول على جيل يعاني إستلابين أولهما إستلاب متعلق بتخطيه لمرحلة عمرية لم يعشها أو عاشها في أوساط لا تتناسب مع معارفه وأهوائه الطبيعية ، وثانيهما إستلاب ثقافي وأكاديمي عبر (حشو) عقله بمواد ومناهج كان همها التوجيه الفكري والسياسي على حساب بناء المعلومات والمهارات ، وذلك عبر (الإنتقائية) في دراسة منهج التاريخ السياسي الوطني والإقليمي والدولي ، لكن وبما أن هذه التجربة التي يتم الآن التراجع عنها تحت لائحة (البساطة) ومبدأ عفا الله عن ما سلف ، من سيكون مسئولاً أمام الله والتاريخ والوطن إذا ما ظل عنصر المحاسبة والجزاء عن الفعل والتنظير والنتائج (مُغيَّباً وممنوعاً) في ثقافتنا السياسية والإدارية ؟ ، والفرق هذه المرة أن المجني عليه ليس مؤسسةً أو بنكاً أو شركة لكنه جيل بأكمله سيظل يعاني سوءات ما فاته من قطار العلم والتربية والمعرفة (المُستدامة) بمفهومها الذي يصنع الرجال المميزين والنساء المبدعات ، من سينبري ليحاسب أولئك الذين إنبروا لتحطيم سمعة التعليم وقداسته بلا أدوات ولا معرفة ولا إدراك لجسامة المسئولية ، والتعليم في السودان الآن قد دخل بورصة العرض والطلب في أسواقنا الأسنة بالفساد المتنوع ، ننتهز هذه الفرصة المتعلَّقة بقناعة الحكومة (بالمراجعات) في حقل التربية والتعليم لنطالبها بإعادة النظر في كل اللوائح والقوانين والمعينات و(مراكز المصالح) التي تُعلي من مقام التعليم الخاص على حساب التعليم الحكومي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة