على ما يبدو أننا في سودان المؤتمر الوطني بتنا بحاجة ماسة إلى مُحللين نفسيين في علم سيكولوجيا المجتمع ، حتى يتسنى لنا أن نفهم ما يُشير إليه الخطاب السياسي الجديد لما بعد كوارث ميزانية العام 2018 ، فتصريحات أصحاب النفوذ والجاه والسلطان المسلوب جوراً ، أصبحت جُلها ذات معاني فضفاضه وتميل إلى إتجاهات سيكلوجية بإعتبارها أداةً للتأثير الإيجابي على شعبٍ يعتبرونه مغفلاً وجاهلاً ومُنبطِح ، فلا حديث لهم الآن عن أيي مواضيع يمكن تصنيفها كإطار واقعي وعملي لمخططات الخروج من الأزمة أو (الورطة) الذين هم مُكَّبلين في أحلك ظلاماتها ، تارةً يُصرِّح مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود بأن أسباب ما تعانيه البلاد من تدهور إقتصادي وإستهدافات خارجية هو رفع حكومة الفساد المُعلن والمُقنَّن لراية لا إله إلا الله ، وكأن سيادته لم يُطالع يوماً العلم السعودي الذي خُطت عليه كلمة التوحيد مُعلنةً ومُرفرفة ولم يودي بها ذلك إلا إلى المزيد من النماء والتقدم والرفاهية التي لا تخفى على عين حصيف ، وبالأمس يُصرِّح وزير المالية في البرلمان بأن أسباب إرتفاع الأسعار إنما هي نفسية مُضيفاً بأن ما يجري من تسارع في إرتفاع السلع ناتج عن حالة (من عدم اليقينية) يُعاني منها التجار ، أنظروا إلى تحليلات مَنْ يحملون هَم الإقتصاد السوداني وآمال مواطنيه في حياة كريمة ومتواضعة على عاتقهم ، وكيف يتجاوز بتحليلاته الغيبية والسيكولوجية المحضة كل نظريات ومعادلات علم الإقتصاد والإدارة المالية ، كل ذلك يتناسق مع الإتجاه الغيبي العام الذي أصبح يُسيطر على تحليلات أكثر الشرائح تأثيراً على إتجاهات الرأي العام في بلدٍ مثل السودان أصبح جهلاؤه علماءاً ومُنظرين في غفلةٍ من الزمان ، نعم يتناسق ذلك مع ما يُروِّج له بعض أئمة المساجد من الذين أعمى الله بصيرتهم عن فضيلة الإنتماء إلى الحق وإبطال الباطل حين يرِّددون بأن ما يُعانيه المواطن من شظف وفقر وعُسر إنما هو ناتج من عدم التقرب إلى الله والتفاني في عبادته سبحانه وتعالى ، ويتناسق ذلك أيضاً مع قول بعض شيوخ السلفيين من الذين لا ينظرون إلى مرامي الدين الحنيف إلا بمدى ما يتجاوز خطو أقدامهم حين يُجملون ما يُحدث من كوارث في حق الغلابة في حديثٍ ضعيف ومشكوكٌ في مصادره الشرعية نصه (كيف ما كنتم يُولى عليكم) ، وغيرهم من علماء السلطان من النفعيين والمُتشَّمرين دوماً للفتوى الباطلة من أجل عرض الدنيا الزائل والذين يفتون كل ما ضاق الخناق على حكومة الجور بأن (الخروج على الحاكم حرام ولا يجوز) ، وعلى الجانب الآخر من إتجاهات حكومة المؤتمر الوطني في مجال التنظير (السيكولوجي) والنفسي على هذا الشعب المقهور نذكِّركم بإشارتهم حين يطلبون إمتنان الشعب مقابل (تطوير) وتنمية ثقافته الغذائية التي جعلته يتمَّكن من أكل البيتزا والهوت دوق ، أما الآن فقد أدى هذه (التطوير) إلى إتجاه أغلبية الشعب السوداني إلى أكل ما تحويه النفايات المنزلية المُتكدِّسة على مرمى من أسوار قصورهم الزاهية ، ثم بعد كل ذلك يبقى فن المراوغة والتدليس وإخفاء الحقائق جزءاً لا يتجزأ من سياسة التأثير النفسي السلبي على هذا الشعب المغلوب على أمره ، وبذلك أيضاً تستمر مؤامرة المراوغة في محاربة الفساد والمماطلة في محاسبة ومحاكمة المفسدين والمُتسَّببين في دمار وإنهيار مؤسساتنا الوطنية وصروحنا الإقتصادية الباذخة ، وعدم النظر بجدية إلى ما تُشير إليه تقارير المراجع العام ومن ضمنها إمتناع الكثير من المؤسسات والشركات عن الخضوع للمراجعة وطرح مستنداتها المالية ، فضلاً عن كل ذلك الإصرار على تحصيل سلطان الدولة وجاهها الذي لا يتمتَّع به سواهم من جيب المواطن وكدهِ الدؤوب عبر رفع الضرائب والجمارك وزيادة شبكة الجبايات ورفع الدعم عن الوقود والسلع الإستهلاكية والتعليم والإستشفاء والدواء .. هذه الدولة ببساطة تُدار بإستراتيجية (الإيهام السيكلوجي الجماعي) .. أبقوا صاحيين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة