طاب لي اليوم ومعي عدد من الأصدقاء أن أُلقِب صاحبي الذي يعيش الصراع المُلهم ما بين أخلاقيات الحاضر و الماضي بلقب الشخصية الدرامية المشهورة ( كبسول ) ، و للذين لا يعرفون شخصية كبسول في السلسلة الدرامية التي أداها الدرامي المطبوع الدكتور فيصل أحمد سعد فإن كبسول هو ذلك الشخص المتدخل في كافة الشئون الخاصة و العامة و لكن في إطار المطالبة بالحقوق و الواجبات التي تنص عليها القوانين و اللوائح ، لكن طبعاً مع المبالغة و التشدد و التطرف في تحقيق ذلك ، على كل حال فإن صاحبي هذا الذي لقبناه بكبسول هو بالفعل واقع في صراع مع كثير من المفاهيم و الأخلاقيات و العادات التي كانت عادية في الماضي و سارية ، و ما بين جزء من حياته يعيشه في الواقع الحاضر يعتبر الكثير من تلك المفاهيم و القيِّم غريبة و فيها تعدي على حريات الناس و رغبتهم في ( الإنزواء الفردي ) ببعض ما يمكن أن نطلق عليه إصطلاحاً خصوصيات ، و للحقيقة فإن معظم أبناء جيلي من الذين إنقسمت حياتهم ما بين هذا و ذاك ، بمعنى أنهم عاشوا تلك الفترة التي كان فيها المجتمع السوداني منفتحاً بالقدر الذي يسمح للغرباء بمعايير مطلقة بالتدخل في الأمر بالمعروف و النهي عن ما يمكن أن نصنِّفه منكر ، ثم أيضاً قدَّر الله لهؤلاء أن يعيشوا حاضرنا هذا الذي أصبح فيه الجار لا يعرف إسم جاره و لا ماذا يعمل و ربما لا يراه إلا في الأعياد والمناسبات ، جيلنا هذا بالفعل يعيش صراعاً إستراتيجياً مهماً ما بين ( التدخل) و ( التقوقع ) .. فإن تدخلت في أمرٍ بذات الإسلوب الذي كان عادياً في زمان مضى إعتبرك البعض متطفلاً و بلغة اليوم العامية ( ما عندك موضوع ) ، و إذا غضضت النظر و آثرت الصمت و الإنزواء نعتك البعض بالسلبيه و عدم المُبالاة و بلغة الشارع العادية متطفل و ( حِشري ) ، و على ما يبدو أن التحليل العلمي للأمر يحتاج إلى إختصاصيين في علم النفس الإجتماعي و التطور السلوكي المُتغيِّر للمجتمعات و المتعلق بمؤثرات عديدة أهمها إتساع دائرة الإطلاع الثقافي و المعلوماتي و التطور التكنولوجي في مجال الإتصال و الإزدياد المضطرد في تعقيدات الحياة الحضرية بالقدر الذي دعم سيادة المنهج الذاتي و الفردي في المجتمع ، صاحبي الذي لقَّبناه بكبسول قال أنه و في طريقه للعمل وجد أطفالاً بالزي المدرسي التابع لمرحلة الأساس يشترون أمامه السجائر من صاحب دكان ، فما تمالك أعصابه و قام بزجرهم أمام إستغرابهم و إستهجانهم و لم يكتفي بذلك بل ألقى باللوم على البائع الذي أيضاً إندهش و إستغرب و ربما إستنكر تدخله ، ثم تمادى صاحبنا كبسول إنفعالاً و حماساً و ذهب إلى المدرسة المعنية و التي على ما يبدو كانت قريبة مُمنياً نفسه بأن تشكره إدارة المدرسة و ربما أولياء أمور أولئك الطلاب ، غير أنه إستفاق من ( غيبوبته ) فجأة حين سأل خفير المدرسة البالغ من العمر عتياً : هل المدير موجود ، فأجاب إيجاباً ، ثم أردف يسأله : إن شاء الله خير : فأجاب كبسول ( لا مافي مشكلة بس شُفتا ليّْ أولاد بدخنوا سجايِّر ) فما كان من عمك الخفير إلا أن باغته بتعليق تلقائي و مفاجيء ( يا ولدي إنتا ما عندك موضوع ) !! .. و الله فعلاً إستحق صاحبنا و بجدارة لقب كبسول .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة