ليس من الحكمة في شيء دفن الرؤوس في الرمال ، والإنتظار حتى يأتي الإحتجاج متصاعداً ليصل مرحلة الصراع والحِدة التي لا يمكن بعدها شفاء الجِراح ، فهذا الوطن تنقصه العدالة في توزيع الفرص الثقافية ، خصوصاً في المؤسسات الإعلامية المركزية ، وما يتم بثهُ من برامج وفعاليات يجب أن يوزَّع توزيعاً عادلاً أو منطقياً يحاكي التكوين العرقي والثقافي للمجموعات الإنسانية التي تأُم الوطن ، صحيح يمكن الإتفاق على أن تكون اللغة العربية الوسيطة هي الإطار التفاهمي لمحتوى الوعاءات الثقافية التي يتم طرحها ، لكن مضمون وشكل المواد يجب أن يشمل كل القبائل والجهات والأعراف والتقاليد المختلفة والمتفرِّقة ، فمن الواجبات الأساسية لتحقيق صورة أصيلة واوقعية للسودان عند العالم وحتى في نفوس وأفئدة السودانيين أنفسهم بكافة ثقافاتهم وأعراقهم أن يكون التلفزيون القومي وسائر القنوات الرسمية والخاصة وكذلك الإذاعات تحتوي على مستوى كوادرها وبرامجها وإهتماماتها الأخرى ما يمكن أن يجعل كل فصيل ثقافي وعرقي في هذه البلاد يشعر بإنتماء حقيقي لهذه القناة أو تلك الإذاعة ، صحيح قد يكون الأمر غير مقصود وغير مُدبَّر في وضعة الحالي ، ولكن يجب إتخاذ خطوات عملية وتشجيعية و(تمويلية) تستطيع أن تحقِّق هذه الغاية عبر إنشاء آلية تقوم برعاية الفنون والبرامج الجهوية المختلفة وبلوَّرة بثها مركزياً ، حتى يسقط القناع البذيء عن وجه من يرددون مصطلح (صراع الهامش والمركز) في محل كلمة حق أُريد بها باطل ، كما أن قواعد العدالة التي يفرضها حق المواطنة قد حان أوان الدعم لمصادرها الحقيقية المستمدة من الحاجيات الذاتية لهذا الوطن وخصوصيته وتفرّد وتعدُّد مكوناته الديموغرافية بما لايوجد تقريباً في دولة أخرى ، وفق مبدأ جديد يخرجنا من مطب الإستلابات المنهجية الكثيرة التي توارثناها جيلاً بعد جيل , وحكومةً بعد حكومة ، فجميع ما يُطبق الآن من إستراتيجيات إدارية وسياسية و ثقافية وإجتماعية هي في الواقع نوع من الإستلاب الفكري الخلَّاب ، والذي قمنا بلا وعي وفي غفلةٍ من الزمان بإستيراده (قالباً) أصماً كما هو دون تعديل ، من دول وثقافات مغايرة لا تمت إلى خصوصية ما يتميَّز به هذا القطر من تنوع ثقافي وإثني ومعرفي ، هذه البلاد متفرِّدة في معطياتها وصفاتها من حيث المكونات الإنسانية ، لذلك هي تحتاج إلى فكر جديد يتعلَّق بجل إتجاهات إدارتها وحكمها ، و لكن أهم ما يجب أن نبدأ به على وجه السرعة خوف الغوص العميق في مردوداته السلبية ، أن نجعل كل واجهات البلاد الثقافية والإعلامية سواء أن كانت رسمية أوخاصة مُعبِّرة عن كل فئة جهوية ساهمت وأدلت بدلوها في مسيرة بناء تاريخ هذا الوطن ، فلا غلبة لأحد في هذا المجال ، وإن حدث ذلك أي الغلبة فليعلم الجميع أن ذلك لن يكون إلا وجهاً آخر للعملة التي يتداولها الداعين إلى الإنفصالات السياسية وشرذمة أواصر الأمة وتشتيت شملها ، دعونا نواجه أنفسنا بالحقائق المحضة دون تحيَّز ولا مواراة ، لنكتشف عيوبنا ونعالجها في سبيل مصلحة الوطن والأمة ، ما يُحدث الآن في ############ات أجهزتنا الإعلامية وفعاليات البث الثقافي بكافة أشكالها لا يُعبِّر عن كل المنتمين لهذا الوطن بالقدر الذي يشعرهم بالرضا والإنتماء الذي لا يقبل الشك إلى آماله وطموحاته الجماعية ، نعم هناك إشارات تترى هنا وهنا ومن حين إلى آخر لكنها ليست كافية.. نريد مذيعين ومذيعات في فضائياتنا وإذاعاتنا وفعالياتنا من كل السحنات والقبائل السودانية ، كما يجب أن توقف فكرة التعبير عن التباين العرقي والثقافي في السودان بمجرد عرض الفلكلور والتراث القبلي .. نريد لهذا التباين أن يُعبِّر عن نفسه ثقافياً وإعلامياً (بما يجري به الحاضر) وبما (يستشرفه المستقبل).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة