ينتابني إحساس أن المواطن السوداني قد تضاءلت ثقته أو ربما فقدها في إطار حصوله على العدل والإهتمام و الخدمة المطلوبة من الجهات الرسمية المنوط بها ذلك ، والدليل على ذلك إستشراء ظاهرة أخذ الحق عنوةً باليد ، أو كثرة الإحتجاجات المنَّظمة التي أعقبت أحداثاً عامة وفي بعض الأحيان خاصة ، على سبيل المثال ما يتعرَّض له الأطباء في زماننا هذا لأنواع شتى من الإنتقامات والإنتهاكات بدأت بالإهانة والشتائم وتوسطها الضرب ثم كان آخرها القتل عمداً وفق آخر خبر تم تداوله عن طبيب تم قتله بواسطة مريض طعنا بالسكين في مدينة القضارف ، ومن أمثلة الأحداث العامة والتي بالطبع ليس لها علاقة بالمعارضة السياسية (حتى لا يرتفع ضغط المؤتمرجية والتابعين) ما قامت به طالبات جامعة أمدرمان الإسلامية الإسبوع الماضي من إحتجاجات عفوية وسلمية بشارع العرضة إثر وفاة طالبة بحادث مروري أمام الجامعة و تأخر الجهات المسئولة عن إسعافها حتى حدثت الوفاة ، وأمثلة كثيرة أخرى تترى في الذاكرة على شاكلة إعتصام المواطنين في العديد من الأحياء بالعاصمة إحتجاجاً على محاولات السلطات المختصة بالتعاضد مع سرب الجراد القارض لحقوق الوطن والمواطن بيع بعض الميادين المخصصة لممارسة الرياضة وإستنشاق الهواء الطلِق ، والكثير من المواضيع الأخرى التي يظهر فيها جنوحٌ واضح للأفراد داخل مجتمعاتنا للتعامل الشخصي مع المشكلات والقضايا مما يُنبي بأن هناك مشكلة في القناعات المتعلقة بالثقة في المنظومة الإدارية والعدلية والنظامية ، وذلك حسب وجهة نظري ناتج عن سوء الأداء الحكومي في كافة المجالات وإنقطاع سمة الحماس و الفعالية لدى الكثير من الجهات الرسمية المختصة في مواضيع مُلحة و ذات أهمية من حيث المردودات الإيجابية لسرعة الحسم والإستجابة ، وقد لعب الفساد الإداري والمالي دوراً رئيسياً في إقصاء منظومة العمل المدني والإداري بعيداً عن المصالح الجماعية لأن المكاسب غير الشرعية مُجديه و مُرضية وقد أصبحت سلعةً يعرضها (التماسيح) فيسيل لها لعاب ضعاف النفوس ، وبهذا المفهوم أصبح كل مجهود في بلادنا يستهدف المصلحة العامة أو لا يقف وراءه صاحب نفوذ أو منصب وغير مدعوم بتوصية يوضع دائماً وبصورة تلقائية في آخر الإهتمامات وذيل قوائم الأعمال ، حتى لو كان الأمر متعلقاً بطالبة تنزف الدم الثخين على قارعة الطريق ، حظها العاثر جعلها من عوام أهل هذه البلاد التي شابت سياساتها ومناهجها العجائب ، إذا سرق فيها عزيزُ قومٍ أُبرئت ذمته بهرطقاتٍ من فقهٍ مشبوه ، وإذا سرق فيها الضعيف أصابه الضُر والتنكيل ، تماما كما تفعل محليات العاصمة اليوم بالكادحين الشرفاء ، ليت حماس وفعالية وتمويل (كشاتها) الموجهة ضد ستات الشاي والباعة الجائلين كانت بنفس القدر الذي تتعامل معه في كارثة نظافة الخرطوم من نفاياتها وقاذوراتها التي أزكمت الأنوف ونشرت الكوليرا وعطَّلت حركة السير والمارة والأهم من ذلك أشانت أبصارنا وأمزجتنا بالقدر الذي نشر الإكتئاب والقنوط في النفوس ، فالخارج من بيته للعمل يصل إليه مُكدّراً مهموماً والقادم من عمله إلى بيته يدخله مغبوناً مُعكَّر المزاج .. يا فرَّاج الكُرب أفرجها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة