أكتب عن اللَّون مُتعديَّاً ، في بلدٍ تعُج أركانه وساحاته بالآلاف من المتخصصين والمبدعين في فنون الرسم والتشكيل ، بعضهم فنانيين بالسليقة والفطرة والبعض الآخر صقل موهبته بالتحصيل الأكاديمي ، وهم ما زالوا حتى يومنا هذا ومنذ ستينيات القرن الماضي يزرفون الدمع السخين على ما آل إليه حال البلاد على المستوى الأكاديمي الرسمي (المدارس) وعلى مستوى التخطيط العمراني العشوائي الذي طال عاصمتنا وكثير من المدن الأخرى من تشويه معماري وتشكيلي و(لوني) بالقدر الذي أفقدنا هويتنا الثقافية المُتعلِّقة بموروثاتنا ذات الشقين الإفريقي والعربي ، والتي هي أيضاً نابعة من مكونات معياريه أهمها تأثير الموقع الجغرافي وما يعكسه من طقس ، فضلاً عن تأثيرات التجاور والتواصل الثقافي الذي تفرضه ضرورة القُرب الجغرافي والتوافق المزاجي بيننا وبين تجمعات إنسانية كثيرة تفاوتت إنتماءاتها ما بين الإفريقي والعربي ، وما زال التشكيليون المختصين بعلم الألوان يعانون عدم الإعتداد الرسمي والشعبي بدورهم الهام في مجال توجيه شكل ومضمون اللوحات والمناظر والمباني والمخططات في المجتمعات المدنية وفي مقدمتها العاصمة القومية ، بالإضافة إلى الإنعدام الكُلي والخالي حتى من محاولات يائسة أو حتى فاشلة في إنشاء بنية تحتية يمكن من خلالها عرض ما تنتجه أيدي التشكيليين السودانيين من فنون وإبداعات ، ربما ساهمت في لم شملهم أو تطوير وتنمية قدراتهم ، فضلاً عن دورها (كقالب) يتم من خلاله الترويج للفن السوداني والثقافة المحلية إقليمياً ودولياً ، واحد وستون عاماً من الإستقلال وتعاقب الحكومات و الآيدلوجيات والأفكار والتوجهات و(الإنقلابات) السياسية والإنتمائية وما زال السودان لا يمتلك صالة عرض بمواصفات عالمية تسمح بإستضافة فنون خارجية تساهم في تطوير المدى البصري للتشكيليين السودانيين والمهتمين بهذا الضرب من الفنون ، أو من باب آخر تساعد على إتاحة الفرص للموهوبين من المبدعين الجُدد ودفعهم للإستمرار في العطاء ولو من جهة المقابل المعنوي فحسب ، إلى متى يظل علماء الألوان والفن والتشكيل يلقون إحتفاءاً وتبجيلاً بالخارج (راشد دياب ما بين إسبانيا وأوروبا والسودان المُفترى عليه بإهمال الفنون والفنانين) ، وإلى متى يظل إبراهيم الصلحي منارةً من منارات الإبداع في لندن وأوروبا و( يُغادر السودان بعد أن قرَّر الإستقرار هرباً من البيئة الصحية المحيطة بمنزله المتواضع بالعباسية وغيره من خواة الفكر والإبداع يسكنون القصور بالباطل والفساد) ، يجب على الدولة أن تعتد بمسئوليتها عن (التحولات) أو التشوهات التي ألمت بثقافة المجتمع فيما يختص بالتشكيل وعلم الألوان ، و التي هي في الحقيقة أدخلت المجتمع في متاهة الإستلاب الثقافي الذي ربما أفضى إلى (دونية) ثقافتنا اللونية و(صفوية) مؤثرات الثقافات الدخيلة ، بالقدر الذي جعل مُجملنا يعتقد أنه من الثوابت التي تقبل الجدال أن اللون الأبيض للمرأة قيمة جمالية مُطلقة لا تقبل المنافسة .. تفحَصوا حال نسائنا وعلاقتهن بالكريمات والمساحيق المُهلكة إصراراً للإصطباغ باللون الأبيض الذي هو في الأصل لا أساس له في مكوناتنا الطبيعية والثقافية .. يا أهل الثقافة ومُخططيها دعوا الألوان تُعبِّر عن ذواتنا وإنتماءاتنا التاريخية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست