ما يقوم به السيد معتمد الخرطوم هذه الأيام من حملات شرسة و(محمومة) من إزالات وهدم لكثير من المباني المخالفة والأسواق العشوائية ومنظومات البيع على الأرصفة ، هو من منظور إداري وقانوني وحضري إنجاز مُقدَّر إذا ما كان الهدف الرئيسي من ذلك جني إيجابيات مُحددة ومعلومة في إطار المصلحة الجماعية ، نذكر على سبيل المثال منها إظهار الوجه الجمالي والتخطيطي المُشرِّف لمدينة الخرطوم ، وكذلك فتح مسارات لوجستية للأداء الأمثل في قطاعات الصيانة المختلفة ، فضلاً عن إزالة الغبن والظلم الذي طالما لحق بأصحاب المحلات النظامية في الأسواق لسنوات عدة ، غيرأننا وبالرغم من إعتدادنا بكافة أنواع العمل الحكومي المنظَّم والناجح ، مضطرين أحياناً أن نلتفت إلى ما يُقال وراء السُتر عبر أحاديث أهل المدينة ومسامراتهم اليومية في المناسبات و التجمعات ووسائل التواصل الإلكتروني ، والتي يتلخص مفادها في كون ما يجري الآن من إزالات وتنظيمات وإبعاد لكثير من صغار التجار والباعة المتجولين والذين بالرغم من عدم شرعية وقانونية نشاطهم إلا أنهم وبالعُرف يتمتعون بحق الشفعة والأولية فيما إذا كانت معتمدية الخرطوم تنوي إعادة وتوزيع أماكنهم ومحالهم المؤقته مرةً أخرى وبصورة يشوبها نوعها من التحسين ، أما وقد قال بعض (المغبونين) أن أمر إفراغ الأسواق بالهدم والإزالة والحصول على مساحات (فارغة) هو(معالجة) مُهداة من معتمد الخرطوم للسيد الوالي الذي إشتكى في بداية توليه أمر الخرطوم عبر جملته الشهيرة(الحتات كُلها باعوها) ، يعني وإن صحت تكهنات المغبونين فإن السيد المُعتمد يُقدم بحملته (الصارمة والمُتحمسة) للولاية (حِتات) يمكن بيعها أوإيجارها أوإستثمارها !! إن صح هذا الإتجاه في التحليل فذاك سيكون الظلم بأن عينه مهما سطعت الأهداف وجُمِّلت النوايا ، وهذا ما لايمكن بواقع الحال أن يظل مستوراً في الأيام القادمات ، لأن كل المساحات الشاسعة التي تم تحقيقها في الأسواق التي طالتها حملات المعتمد سيطلِّع الناس في أي حين على كل إنشاءات جديدة تطالها ، ووقتها سوف لن يصمت المتذمرون من أصحاب هذه الأماكن بالتقادم وبحقهم العُرفي المتمثل في الشفعة والتواجد المُسبق ، ولايفوتنا أن نُشير إلى أن ما تقوم به المعتمدية من إزالات للبيع العشوائي في الأسواق وإن جازت قانونيته ومصوغاته الموضوعية ، كان يحتاج إلى دراسات مسبقة يتم فيها حساب الآثار السالبة لهكذا عملية تتعلَّق تداعياتها بمشكلات سيدفع ثمنها مجتمع الولاية وليس الحكومة وحدها ، عليهم أن يعلموا أن معظم من يؤمون هذه الأنواع من التجارة الصغيرة هم من الشباب الذين عانوا أسباباً عُدة جعلتهم فاقداً تربوياً ، وبعضهم من النازحين من مناطق الإنفلات الأمني في عدة ولايات مضطربة ، وبعضهم من إضطرته ظروف الفقر العام وضيق فرص العمل وصعوبات الحياة المتزايدة لأن يعول أسرته وأحياناً أكثر ما أسر مُتعددة ، لكن المهم أن القاسم الأعظم الذي يجمع كل هؤلاء أنهم يبيعون ويشترون في الأسواق وفق قاعدة (شرف أكل العيش بالحلال) وفي مشاريع شرعية ، جُل ما يضحد قانونية نشاطهم هو مكان النشاط وما يستوجبه من إجراءات وإشتراطات وتراخيص و(جبايات) كان بعضهم يدفعها تحت مصطلح أتاوات مقابل التغاضي عن مخالفاتهم ، أما وقد تم الأمر دون دراسات إنسانية ومجتمعية مُسبقة فلتترقب المعتمدية ولتتوقع بلا جدالٍ ولا شك أن أغلب هؤلاء إلا من رحم ربي سيذهبون لممارسة نشاطات (خفية) أكثر ضرراً على المجتمع وعلى السلطات من نواحي أمنية وأخلاقية وبيئية ، بعد أن كانوا يمارسون كسب عيشهم أمام أعين الجميع وفي وضح النهار .. و الله أعلم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة