تراودني أبيات لأمير الشعراء أحمد شوقي طالما إعتبرتها أجمل ما قيل في الرياء و التزلف لأهل الجاه و السلطان و ذلك عندما ما كان في رحلة صيد خلوية مع الخديوي عباس في نهار شمسه ساطعة و حامية ، فدعا الخديوي عباس أحمد شوقي و قرّبه ليكون مشمولاً بظلِ مظلةٍ شمسية كانت بين يديه فإرتجل أمير الشعراء هذين البيتين قائلاً ( مولايَّ عباسُ أهداني مِظلته ** يُظلِّلُ اللهُ عباساً و يرعاهُ / مالي و للشمسِ أخشاها و أحذُرها ** من كان في ظِله فالشمسُ تخشاهُ ) .. تذكرتُ هذين البيتين و أنا أتابع موجةٌ جديدة أو ظاهرة أو فلتكن ( موضة ) بدأت تتكرر هذه الأيام في أفانين التزلف و الرياء من بعض الوصوليين و النفعيين تجاه من ( إبتلاهم ) الله بالسلطة و الأمر و الحُكم في مصالح الناس ، و ذلك عبر برامج التكريمات في المحافل و المنتديات لبعض الوزراء و الشخصيات النافذة و أحياناً مجرد مدراء أو رؤساء لهيئات و مؤسسات ذات أهمية و تخرج من بطونها الكثير من المنافع التي يسيل لها لُعاب سماسرة الفعاليات المهرجانية التي تقوم بأعباء التكريم ، و بالنسبة لي فإن الأمر محل شك و ريبة لأنه غالباً لا يخلو من المبالغة و لا تخرج مضامينه و أهدافه عن نعت المسئول أو السلطوي النافذ بأنه قد ( أدى واجبه ) على أكمل وجه ، ثم إشارة المذيع الذي يعتلي منبر الحفل ( المفبرك ) إلى الجموع الغفيرة التي جاءت لتحضر هذا التكريم وفاءاً و إعترافاً بجمائل ( الزعيم ) عليهم و إثباتاً ميدانياً لأنه بالفعل قد ( أدى واجبه ) على أكمل وجه ، و السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه منذ متى يُكرَّم المسئول و هو ما زال على سدة منصبه و يُمارس وظيفته الرسمية ؟؟ و كان المُعتاد سابقاً أن يحدث ذلك أي التكريم عند تقاعده أو خروجه من المنصب لأي سببٍ كان من باب الوداع أو حتى الإشارة إلى إنجازاته ( إن وُجدت ) .. و طبعاً الحكمة من ذلك أن لا يشوب أمر التكريم و الإحتفال بالمسئولين و هم على سُدة مناصبهم آفة التزلف و الرياء أو حتى الإستمالة من الجهات القائمة على أمر التكريم للحصول منه على ما لا يستحقون ، و السؤال الثاني و الذي أجده أكثر إلحاحاً من الأول هل وصل بنا الإحباط و الغوص في مزبلة الإخفاقات و الفشل الإداري و الفني و السياسي أن نعتبر مجرد قيام الوزير أو المسئول الكبير النافذ ( بأداء واجبه ) على أكمل وجه أمرٌ ( إستثنائي ) و ( مُستغرب ) بالحد الذي يدعونا إلى تكريمه ، كيف يستحق هذا إن لم يكونوا يتزلفون و يطبِّلون و يشيرون إليه ( بإمتاعهم ) جوراً و باطلاً بما لا يستحقون من منافع بقدرة جاهه و سلطانه ، نعم هو لا يستحق لأن أصل المنصب و الصلاحيات و النفوذ ( تكليف ) بلا تشريف ، أما إفتراضات مُستحقات التكليف لا يمكن تفسيرها دون قاعدة أن يقوم المُكلف المعني ( بأداء واجبه ) على أكمل وجه .. الكثير من أدبيات نظام الإنقاذ السياسي رشحت بفعل مبدأ التمكين السياسي في كثير من ملامح وأدبيات و سلوكيات العمل الإداري و الفني داخل هيكل الخدمة المدنية فأصبحت الخلايا التنظيمية ظلاً ملازما للهايكل الإدارية و صارت مناهج الحشد السياسي تسري كذلك على المناهج الإدارية بما في ذلك ( فبركة ) الأحداث و صناعة المهرجانات الوهمية و الضغوطات ( المسرحية ) .. لأسباب عديدة أهمها مساعدة الوزير أو المسئول على البقاء في منصبه و بالتالي حصوله و حصول أولئك النفعيين و المُطبلين على المزيد من المصالح و المنافع بأدوات الفساد التي أصبحت مألوفة وطبيعية و متداولة في زماننا المرير هذا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة