ويمضي د. عصام أحمد البشير في تتبع بعض القضايا الفقهية منحازاً إلى المدرسة الوسطية وداحضاً منطق الفقه المتطرف، ونورد اليوم حديثه حول التجديد والتبديد.. خطاب الوعي..وعن المقصدية والحرفية.. خطاب الابداع الاتباع ،وعن التهوين والتهويل.. خطاب التوازن. يتعين تجديد الخطاب الإسلامي، وإعادة النظر في كثير من قضاياه الفكرية ومفاهيمه الحاكمة، والممارسات السلوكية الرتبطة به، لكن ليس الآن لأن مصلحة قوى مهيمنة هنا أو هناك تدعو إلى ذلك من خلال تبديد دور الإسلام وحضوره في المجتمعات المسلمة، وليس استجابة لدعوات الاغتراب الحضاري وعلمنة الإسلام وتفريغه من محتواه الجاهدي والاجتهادي .. ذلك أن التجديد الديني سنة كونية وقانون تاريخي على مر القرون السابقة، ولأن الدواعي الموضعية تدفع إلى التجديد ، كي يستعيد الإسلام فعاليته العميقة في إصلاح المجتمعات الإسلامية، وحل المشكلات المعاصرة التى تواجه المجتمعات والانسان المسلم. التجديد لا يعني الهدم والتبديد بل يعني الإبقاء على الطابع الأصيل، والخصائص المميزة، والأسس الثابتة . ولنتذكر كلمة الأمير شكيب ارسلان بهذا الصدد : ( إنما يضيع الدين بين جامد وجاحد .. ذلك ينفر الناس منه بجموده، وهذا يضلهم عنه بجحوده!) ومن لم يتجدد ، يتبدد! ومن لم يتقدم، يتقادم! المقصدية والحرفية.. خطاب الابداع الاتباع الاصل في الدينيات: التوقيف واتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم التزاما بما به امر ، وامتناعا عما عنه نهى : ( وما اتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه، فانتهوا) (سورة لحشر الاية : 7) والأصل في الدنيويات وأمور المعاش والحياة: الإبداع والتجديد ، وعدم الركون إلى ما سبق علمه أو انجازه. وقد قال النبي الأكرم – صلوات الله عليه – عندما التزام أصحابه حرفية إشارته إلى أمر من أمور النخل فقلت جودته: ( إذا أمرتكم بشئ من دينكم ، فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشئ من رأي ، فنما أنا بشر) وفي الواقعة ذاتها قال أيضا : (أنتم أعلم بأمور دنياكم). وبناء على هذا .. يجب على الخطاب الإسلامي إيلاء مقاصد الشرع الحنيف أهمية قصوى. فهي التي تحدد اتجاه الفقيه عن الاجتهاد ، والمفتي عند الافتاء، والباحث عند إبداء الرأي .. لا سيما في النوازل التي لم نعهد قل ، لأن من لم يحكم ضبط الكليات يضطرب ولا يحسن فهم وعلاج الجزئيات وإنزالها على الواقع المتجدد، ومعلوم أن النصوص محودة والوقائع متجددة. والأمر في هذا يتلخص فيما قاله ابن قيم الجوزية محققا (الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها، ورحمة كلها ، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمن إلى ضدها، وعن الحكمة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها التأويل. فالشريعة عدل الله بين عاده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اتم دلالة واصدقها) التهوين والتهويل.. خطاب التوازن إن احترام الحقيقة وتجنب الاغراق في المبالغة بمثل الميزان المستقيم دون طغيان أو اخسار، فالمبالغة دوما قبيحة تشوه الحقيقة: تقرب البعيد، وتبعد القريب، وتظهر غبشا في الرؤية على الطريق، إنها استخفاف بعقل السامع، وسخرية وجدانه. الإغراق في المبالغة سلبية في حياة عامة الناس، وهي ظاهرة في سلوك الممجتمع والأسرة والفرد، فكيف إذا اتسم بها خطاب فكري أو دعوي؟! وفي المقابل .. يجب على الخطاب الإسلامي المحافظة على الوسطية في تناول جميع القضايا، فالمشكلة دوما في طرفين: طرف منسحق بضغط التهويل من كيد الاعداء ومكرهم، والاغراق في (عقلية المؤامرة) اغراقا اقعدهم عن العمل يأسا! وطرف مستفر بالام جلد الذات – كا يسميه فهمي هويدي – استفزازا يدفعهم الى العمل غير المتوري في حماسة غير منطقية! وواجب الأمة التي تحمل أمانة الخطاب الإسلامي ان تكون في مسار الفعل لا ردود الفعل ، وهذ يستلزم الاقتدار والاعداد لردع الظلم، ومقاومة العدوان، ونشر العدل واداء الحقوق. العقلانية والخرافية.. خطاب السننية جعل الله تعالى السنن والأسباب والنواميس والقوانيين مطردة وموصلة إلى تحقيق المقاصد وإدراك النتائج، وطلب من الإنسان استيعاب هذه السنن والأسباب بعد أن شرعها له وخاطبه بها، ودلل على فاعليتها بالعبرة التاريخية والحجة المنطقية والبرهان المخس، وناط النجاح في الدنيا والفوز في الأخرة بالقدرة على استيعاب هذه الأسباب وحسن تسخيرها والتعامل معها. إننا بنى الانسان باعتبار شئ من الماضي، ومظهر تحققه ورؤية سنن الله تعالى المطردة هي ما يضفي التنظيم والمنطقية على أحداث التاريخ. ومع وجوب الإيمان بقدرة – سبحانه- فقد حض الشارع الحكيم على مدافعة الأقدار باضدادها، وهذا ما أشار إليه عبدالقادر الكيلاني في كلمته العالية (كثير من الناس إذا دخلوا القضاء والقدر أمسكوا ( اي : امتنعوا عن الكلام فيها) وانا انفتحت لي فيه روزنة اي :نافذة معرفة ، فنازعت اقدار الحق بالحق للحق. والولى من يكون منازعا للقدر .ز لا من يكون موافقا له.. وعلق عليها ابن تيمية بكلام نفيس:( وهذا الذي قال الشيخ تكلم له على لسان المحمدية. أي أن المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به، وبدفع ما نهي الله عنه، وإن كانت أسبابه قد قدرت .. فيدفع قدر الله بقدر الله (...) فقد قيل لرسول الله صلى الله عيه وسلم يا رسول الله .. أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها.. هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال : (هن من قدر الله) وعندما نوزع عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – في شئ من هذا قال : ( نفر من قدر الله إلى قدر الله). assayha.net/play.php؟catsmktba=8280
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة