تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

التعايش السلمي والمسؤولية الإجتماعية بقلم:بشير يحـــيى بوش

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/14/2005 3:58 م

التعايش السلمي والمسؤولية الإجتماعية
بقلم : بشير يحيى بوش [email protected]
ثمة دوافع ومتطلبات عديدة على مر الازمان ساهمت في بلورة الحاجة إلى مفاهيم وقيم وثقافات ساهمت في زيادة وتيرة التفاهم بين الشعوب والامم وأدى إلى تأسيس علاقة سلمية بدلاً من خيارات القطيعة والصدام والحروب ، فكلما إتسعت الهوة بين الشعوب والأمم إزدات الحوجة إلى اطر ومبادرات تحول دون أن تتحول هذه المسافة إلى سبب الصراع والصدام لهذا نجد إنه على مستوى التجارب الانسانية من تعصب ديني وعرقي وقومي تبلورت أفكار التسامح والتعايش السلمي ، ومن أهوال الحروب نسجت أفكار وتبلورت هذه الافكار ونضجت أدى إلى مفاهيم التعايش السلمي وقبول الاخر كجزء لا يتجزأ من الذات والوجود.
وهنا يبرز التحدي الحقيقي الذي يواجه الانسانية وهنا أخص ما يحدث في دارفور مثالاً هو: كيف نجعل من هذه المفاهيم والقيم التي تجسر العلاقة بين مختلف مكونات أقليم دارفور على وجه الخصوص والسودان على العموم وبين كل شعوبها واممها ، وتضبط حالات التنوع الثر والاختلاف قيما حاكماً وسائدة وليس على مستوى النخب والأطر والمصالح الضيقة ، انما يشكل تياراً مجتمعياً قوياً تتجاوز الخلافات وكل محاولات التزييف والحصار مما يجعل الأمر لا يبدو على أنه خلاف قبلي ويبدو أن نظام العلاقات السائد والجهود المبذولة لعلاج الكثير من المشاكل العالقة والمزمنة في الاطار العام كانت تصب كلها في مصلحة الانظمة التي حمكت السودان بعد الاستعمار بدون إستثناء ، وآخرها نظام الانقاذ التي مارست عملية الكيل بمكيالين تجاه الهامش وخير دليل على ذلك تلك الورقة التي قدمها الوزير السابق عبدالرحيم حمدي في المؤتمر الاقتصادي لنظام الانقاذ بعنوان (مستقبل الاستثمار في الفترة الانتقالية) والذي جانبه الصواب تماما ، ربما نفرد لتلك الورقة مقالة أخرى ، وأن الانظمة التي حكمت السودان منذ الاستقلال وحتى لم تتعاطى مع هذه القيم على أسس سليمة أنما كانت تتعامل معها على حسب مصلحتها الضيقة وهي البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة فقط وأن تصدر نوابها إلى تلك المناطق المهشمة لتضمن اكبر عدد من نواب الاشارة ، وأن القيم والمفاهيم الانسانية والاخلاقية هي من المساحات الهامة المشتركة بين الانسانية بل هي من صلب الاجتماع الانساني .... بمعنى أن غياب هذه القيم والاخلاقيات على مستوى الواقع يجعل الوجود البشري إلى غابة مليئة بالوحوش والتجاوزات بكل صورها واشكالها ، وأن الكثير من المشاكل والأزمان التي مر بها السودان وبخاصة مناطق الهامش هي بسبب غياب تلك القيم والعدالة الاجتماعية والتنموية ، لان الأقوال غير الافعال وهذه هي ديدن الانظمة التي مر على السودان منذ الاستقلال وحتى اليوم، وبفعل هذا الفصام والازدواجية لم نتمكن نحن كسودانيين من الانعتاق من أسر التخلف والجهل والانحطاط ولم نتمكن من تجاوز المحن الكبرى والصغرى التي تواجهنا ، لان التقدم والقدرة على تجاوز المحن بحاجة إلى طاقة تدمج بين النظر والعمل وتجعل الايمان معطى عمليا، وعلى هذا فان المجتمع بكل شرائحه وفئاته وبالاخص المثقفين يتحملون مسؤولية كبرى تجاه توطيد حقائق التسامح في المحيط الاجتماعي ، وذلك لأن سيادة القيم المتناقضة للتسامح تهدد إستقرار المجتمع ووحدته وكل مكاسبه التأريخية الراهنة ، لذلك فان توطيد حقائق التسامح في المحيط الاجتماعي هو حقيقته دفاع عن راهن المجتمع ومستقبله من هنا فان هذه مسؤولية ، مسؤولية عامة وتستوعب جميع الشرائح والفئات حيث تسعى كل شريحة من موقعها وعلاقتها أن تجذر مستوى التفاهم والتعارف بين ابناء المجتمع الواحد وتؤسس لحقائق التسامح كوسيلة مجتمعية وحضارية في ادارة الفوارق والتمايزات المتوفرة في المجتمع الواحد وتحولها إلى إثراء ، فإن الاختلاف سنة الحياة وهي من الامور الطبيعية في كل المجتمعات عبر التاريخ وحقيقة انسانية لا يمكن نكرانها ، وهنا مربط الفرس حيث أن الوحدة لا تعني غياب الاختلاف وهنا نرتكب خطيئة كبرى عندما نساوي بين الوحدة والتوحيد القسري بين البشر ، وأن المطلوب الان هو إعادة النظر في مفاهيم الوحدة والاختلاف حيث الوصول إلى حقيقة الوحدة في المجتمع ، تتطلب احترام الاختلافات وإدارتها بعقلية حضارية ومنفتحة حتى تتراكم عن طريق هذه الادارة الحضارية حقائق الوحدة القائمة على احترام كل الخصوصيات الثقافية والاجتماعية ، فالوحدة لا تبنى على انقاض الخصوصيات انما احترام هذه الخصوصيات وادارتها وفق نسق حضاري تعددي الذي يوصلنا إلى الالفة والوحدة الطوعية.
وإن التحليل العميق لمسار الوحدة في المجتمعات الانسانية يوصلنا إلى قناعة أساسية وهي: أن التسامح والقبول الاجتماعي بتعدد الآراء والافكار والثقافات هي التي تقود إلى تراكم الالفة والاتحاد ، وتجاوز الاحن والاحقاد في المجتمعات ، والتسامح تجاه القناعات والافكار والآراء لا يقود إلى الفوضى والتشتت ، وإنما الذي يقود إلى هذا الفوضى والتشتت هو التعامل مع مطالب الوحدوية بعيداً عن الحقائق والتاريخ والمجتمع ، عليه فإن السعى إلى الوحدة يقتضي ارساء معالم التسامح والقبول بالاخر وجوداً ورأياً . ذلك لان هذه المعالم هي التي تزيد من فرص التضامن الداخلي وتعلي من شأن الانسجام والإئتلاف ، كما أن نفي الخصوصيات لا يقود إلى الوحدة ، وفي إطار العمل على بلورة المسؤولية الاجتماعية تجاه قيم التسامح والتضامن ونبذ الكراهية ، نؤكد على النقاط التالية:
1- التسامح كحقيقة إجتماعية لا يمكن أن تتجسد بدون تطوير الثقافة المجتمعية (التنمية البشرية ) التي تحتضن كل السودان وبالتالي فإن المسؤولية الاجتماعية أولى والعمل على تطوير ثقافة الحرية والتواصل وحقوق الانسان ونبذ العنف وإقصاء الآخر والمفاصلة الشعورية بين أبناء المجتمع الواحد ، ولكي نصل إلى مستوى من الرقى لابد من أن نعلى من شأن الثقافة والمعرفة القادرة على إستيعاب الجميع بتنوعاتهم وإخلافهم الاجتماعي والفكري ، وهذا يتطلب ممارسة قطيعة معرفية اجتماعية مع كل ثقافة تشرع لممارسة العنف والتعصب أو تبرير لمعتنقها ممارسة النبذ والاقصاء مع الآخرين ، والتسامح لا يتجذر إلا في مجتمع أو بيئة تقبل التعدد والاختلاف وتمارس الانفتاح الفكري والمعرفي ، وتطلق سراح الرأي والرأي الاخر للتعبير والنقد والتعامل على أساس العدل والمساواة مع انسجام القيم الحضارية.
2- بناء وتعزيز أطر ومؤسسات التفاهم بين مختلف شرائح المجتمع ، ذلك لان كثير من الاختلاف والعداوة والخصومة ليست وليدة اليوم ... الدولة المهدية وما لها وما عليها والشماليين وتعاونهم مع المستعمر والممارسات السياسية الاقصائية التي مارستها الحكومات المتعاقبة من الاستقلال إلى اليوم ونظرة الشمال والجنوب والشمال والغرب (وعبارات مثل ... أولاد بلد ... أولاد بحر ... غرَابة .... جنوبيين ... الخ ) وكلها إرث تاريخي قديم لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها ، لاننا نريد أن نبني الاساس السليم لهذا البلد ، ونحن هنا لا نلغي جدلية الصراع الاجتماعي إنما نلغي فقط أداة خطيرة من أدواته ألا وهي العنصرية والجهوية ، ومن ثم يمكننا القول بأن إشاعة أجواء السلم والتسامح والقبول بالآخر وجوداً وراياً هي السلاح الفعال للقضاء على ظاهرة العنف البشري، كما وإنه يوفر لنا جميعا الاسباب الموضوعية للدنو والقرب من الحقيقة ويجعلنا نتعلم من بعضنا البعض اذا صلحت النوايا على مختلف المستويات، وفي هذا الاطار لا بد من الادراك أن من المهم أن نلتزم بقاعدة الفهم قبل التفاهم ....... بمعني أن يسعى كل طرف إلى أن يفهم وجهة نظر الآخر كما هي وبدون زيادة أو نقصان .... وبدون الدخول في متاهات التشوية وحرب الشائعات والأوراق الصفراء . أن نلتزم بهذه القاعدة الذهبية وهي التي تجعل المجتمع يبدع اسس واطر للتفاهم بشكل مستديم وبذلك تتراكم الخبرة الحضارية للمجتمع وتزداد أسس وقواعد التسامح في المحيط الاجتماعي.
فالمسؤولية الاجتماعية تتجسد في توطيد أركان ثقافة الحوار والتواصل والتسامح والسلم ، والقيام ببناء الاطر والمؤسسات التي تعنى بشؤون التفاهم بين مختلف الفئات والشرائح في المجتمع دون حصرها في النُخب والمثقفين.
خلاصة الامر : إننا بحاجة إلى مجتمع جديد يتجاوز في علاقاته وأنظمته الداخلية تلك القواعد التي ساهمت بشكل أو بآخر في تفاقم الازمات وإزدياد المآزق ، ووصلنا جميعا إلى طريق مسدود ... وحدة المجتمع الجديد الذي يتمكن من تجاوز المحن الراهنة وبناء المستقبل على اسس حضارية إنسانية.

بشير يحـــيى بوش
[email protected]
الرياض 15/10/2005م

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved