تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الجِدَّة والقِدًّم في سودان العرب والعِجّم بقلم: فايز محمد موسي ابوالبشر-الدوحه - قطر

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/17/2005 9:48 ص


الجِدَّة والقِدًّم في سودان العرب والعِجّم


بقلم / فايز محمد موسي ابوالبشر
الدوحه - قطر

إن مفهوم السودان الجديد مفهوم فضفاض يتعارض مع فكرة نشوء المجتمعات وصيرورة تطورها الطبيعي،لان المجتمعات مرت بمراحل تمحور وتشكل عديدة سبقت الدولة الحديثة التي نشأت نتيجة لحاجة المجتمع، لذا نجد النظريات السوسيولوجية تحدثت عن تطور المجتمعات عبر حقب زمنية مجسده لبنيوية الحضارة الإنسانية كنتاج تراكمي للتطور الروحي والثقافي والفكري والسياسي للإنسان في اتصال حلقي بسلسة التجارب التاريخية التي أدت إلى قيام ونشوء الحضارات البشرية القديمة التي سادت في الشرق الأقصى، وبلاد مابين النهرين، والحضارة النيلية الفرعونية ، والإغريقية والرومانية والفارسية والإسلامية، وصولاً إلى حركات التنوير في القرن الخامس والسادس عشر الميلادي وما صاحب ذلك من ثورات سياسية واقتصادية غيرت المفاهيم والمصطلحات التي تبناها الفكر السوسيولوجى لفترة من الزمان ، ولم يكون اندلاع تلك الثورات أمراً معزولاً عن تطور المجتمع، بل هو دليل عملي يؤكد أن المجتمعات التي أشعلت فتيل ثورات التغيير السياسي كانت مضطرة إلى الدفع في اتجاه التغيير بسبب تناقض نسق التطور الطبيعي للمجتمع مع القيود السلطوية الأمر الذي أدى إلى انفجار ثورات اجتماعية كسرت القيود السلطوية التي كبلت حركت تلك المجتمعات، فتحرر الإنسان بصورة طردية تناسبية، متسقة مع نسق تطوره الطبيعي، وهذه المقاربة نجدها جلية في الثورة الفرنسية التي فجرها العَّوام والرعّاع الذين كانوا من العبيد والزراع و الطبقات الدنية المكونة للمجتمع الفرنسي الطبقي آنذاك، وبالطبع كان للنخب دور في الثورة الفرنسية ولكن دورهم جاء بعد الانفجار الثوري فيما يعرف بعقلنة الثورة، وتوجيه منهجيتها ، بمعنى تدجين السيل الثوري لكي ينسجم مع الواقع الاجتماعي و البنية الفكرية والسياسية حتى يتم التناسق والتناغم الاجتماعي بين الدولة كبنية سياسية، والإنسان كبنية اجتماعية، وإذا أسقطنا هذه الفلسفة الفكرية على الدولة السودانية ونسق تطورها نجد إن الدولة الماثلة اليوم عمرها لا يتجاوز الـ 184 سنه ، حيث جاء ميلادها متعثراً، وهى دولة خَدِيج لم يكتمل نموها الطبيعى نتيجة لعدم انصهار إثنياتها المختلفة ثقافيا" في بوتقة تجسد هوية الجنين المعلول، الأمر الذي أدى إلى تجاذب حاد بين الفئات المختلفة المكونة للنسيج الاجتماعي للدولة، وما لبث إن تحول ذلك التجاذب إلى صراع سياسي حول شكل السلطة، ونوع الحكم، وعلاقة الإطراف بالمركز، ثم تطور إلى تمرد مسلح أثار مظالم موروثة متمثله في التوزيع الغير عادل للسلطة والثروة بين فئات المجتمع السوداني، بل امتدت حركات الاحتجاج السياسي المسلحة إلى أماكن أخرى من جسد الدولة السودانية المنهوك في الشرق والغرب، وذلك بسبب السياسة الرعناء للجبهة الإسلامية القومية التي صبت على نار مسببات التوترات المسلحة المشتعلة مازُوت البعد الديني في الجنوب، والجهوي والإثني في الغرب، وفى ظل هذا الشد والجذب لم نر أفقاً سياسياً يلوح، لأنّ حكومة ما يسمى بالوحدة الوطنية – الحكم الثنائي – والحركات المسلحة في الغرب والجنوب هي جميعها خرجت إلى الوجود من عباءة يمين أو يسار خاوي فكرياً غير متسامح مع الأخر، وان فكرة السودان الجديد التي جاءت من بنات أفكار الدكتور جون قرنق، ومن ثم تلقفتها الحركات المسلحة في الغرب، وكثير من المتحذلقين والتائهين من اليسار واليمين، والعنصريين الجهويين هي فكرة غامضة لم تطرح منهجية عمليه متكاملة يمكن ان يحتذي بها في معالجة مشاكل الهوية، والحكم الراشد ومتطلباته من الشفافية والمساءلة في إطار حرية مدنية تكفل لمكونات المجتمع المختلفة الحريات الروحية والفكرية والثقافية، ولم تؤطر لعلاقة مؤسسية بين الإطراف والمركز يمكن أن تساهم في ردم هوة التباين التنموي والمعرفي، كما إنها أغفلت حرية المرأة وحقوقها الاخرى. إن مخاطبة هذه القضايا المذكورة انفا بصورة علمية ومدروسة يمكن أن يؤدى لتغييرالمفاهيم العقيمة السائدة في السودان القائم، ويحقق وحدة قومية في إطار التنوع الثقافي والعرقي والاثني والفكري، دون الحاجة إلى مصطلحات عمومية تنفع كمانشتات إثارة للصحافة الصفراء، لا سيما ان فكرة السودان الجديد لم تنضج من حيث البعد النظرى ناهيك عن معرفة نتائج ابعادها التطبيقية العملية التى تحتاج الى عقود زمنية، لذا هي ولدت ناقصة، ومهزومة من داخلها بسبب تبنيها لمنهجية الإبدال والإحلال والالغاء، اى تبديل المجتمع الكائن والغاء مؤسساته المختلفة ، الأمر الذي أدى إلى رفضها من قبل الأغلبية الصامتة رغم علو نعيق المؤيدين بالعاطفة لظاهر الفكرة كما جاءت، دون التبصر في أبعاد فلسفة تفاصيل جزيئاتها المختزلة فى عمومياتها، وذلك لانها خاطبت مشاعرهم لا عقولهم، ودغدغت احاسيسهم لا افكارهم، فانطلق عقال المارد المسكون في دواخلهم يهتف بسودان جديد ، فسالنا كما سألت بنى اسرائيل نبى الله موسي عندما تشابة عليهم البقر، وشتان بين السائل والمجيب ، فقلنا ماهو مصير السودان القديم الموجود حقيقة لا مجازاً ، قالوا سودان جديد ، قلنا ماهو شكله، قالوا سودان جديد، قلنا ماهو لونه، قالوا سودان جديد ، قلنا ماهو السودان الجديد، قالوا سودان جديد، فأدركنا ان السائل ليس اكثر جهلا" بمفهوم السودان الجديد من المجيب.

ان مفهوم السودان الجديد انهار بمجرد التوقيع على برتكولات نيفاشا التي وظّف من خلالها رسول فكرة السودان الجديد الاتفاقية وعائداتها إلى إقصاء الآخرين، والاستئثار بالسلطة، ولم يقصِ الشمال ( العربي المسلم ) فحسب وإنما أقصى كثيراً من المهمشين من أبناء الجنوب الذين لم يشاطروه المفهوم، فكيف يعقل أن نتحدث عن سودان جديد موحد تكفل فيه الحقوق الأساسية للفرد وفي نفس الوقت نحرم ذات الفرد من نصيبه الأساسي في السلطة والثروة من خلال قسمتهما قسمة ضيزى لفرض شمولية ثنائية القبضة، براغماتية المنهج، بين طرفين مشهود لهما بالفساد والميكافيلية والحاكميَّة التسلطية.

إن الجِدََّة ضد القِدَّم وبضدها تتبين الاشياء ، والاشياء هنا هى العنصرية البغيضة، والجهوية المسيسة، وضعف النسيج الاجتماعي الذى تهتكت خيوط غَزَله بسبب احداث القتل والاغتصاب والسلب والنهب التى انتشرت يوم الاثنين والثلاثاء، والتى كانت نتيجة حتمية لخطاب الحقد والكراهية وما إحتواه من مصطلحات عنصرية زميمة مثل الهامش المهمشين، والجلابة والنخبة النيلية، والعرب والزرقة ، والجنجويد، وهى مصطلحات لم تطلق خبط عشواء وانما اريد بها إثارة الفتنة وتقسيم المجتمع على اساس اثني وعرقي وجهوي، لعبت النخبة الحاكمة ، وعنصريين جهويين دوراً بارزاً فى اشعال فتيلها من اجل استحقاقات سياسية، ورغبوية ذاتية اصبح الثمن المدفوع فى سبيلها هو ارواح بريئة إزهقت بدون جريرة ، وديار عامرة خربت و دمرت، واسر آمنة روعت و شردت، ومشاعر كراهية إججت ، والدولة القديمة تجزءت، ونحو البلغنة والصوملة والافعنة توجهت، والقوات الاجنبية من شتى بقاع الدنيا انتشرت فى ربوعها وغاباتها وسهولها وصحاريها ووديانها ورمالها، فتحكمت فى السيادة الوطنية وسيطرت، فهل تنفع بعد هذا كله دعوات الجِدّة والقِدّم ... فافتوني يا أيها الملأ من العرب والعجم.




للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved