تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

قصة قصيرة -بقلم الاستاذ/احمد يوسف حمد النيل

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/19/2005 5:26 م

افتراض طفلــــــــــة في العاشــــــــــــــــرة

خلت كل المدينة من الأتقياء فأصبحت تصاريف القدر القاسية تتصادق مع سكانها .
فانهالت تباشير القبح مع موجات الشتاء العارمة ترعد قوى الصبر عند الحالمين .
فتقطعت أوصال من حب كل جميل مع أحلامه . فأطلت محاسن بكل مفاتنها و كل دواخلها
و ثناياها . فعشقت ألا تنطفيء و عذلت نفسها عن عذابات السنين . أجمل الأطفال
الذين ظن بعضهم أنهم يأتون ساعة فساعة , قد تأخروا وكل أوصال الوطن قد تمزقت و
غدت خارطة و لوحة بلا لون أو حقيقة . كانت " محاسن" طفلة في العاشرة و هي تحلم
بفتى يقبلها أو يأخذها إلى صدره و هي لم تثمر بعد . لأنها ارتعدت من أزيز
البارود و اخمد كل إحساس فيها . تجهمت في خاطرها لعبة "الحبل" الجمباز , واخذ
صوتها يتجه نحو الليونة و الرقة و عرفت أنها موعودة فتنبأت لأنها موعودة بشباب
غض فهجرت دنيا اللعب . المدرسة بالنسبة لها تضييع للوقت فلمحت بريق الهجرة إلى
عالم الرجل . و بخاصة الرجل المتأنق و المتشيك .
لم تشتهي بعد ظلها تحت ضوء القمر . كرهت كل ظل يرتسم على رمل البراءة . فتفتقت
في خاطرها كل ورود النضوج المبكر . فبدلت كل ملابسها لتواجه الواقع الجديد . و
استبدلت شنطتها المدرسية بشنطة تخص السيدات ذوات العشرين ربيع و هي لم تزل
تدلف نحو الحادية عشرة . فتفتحت مساماتها لكي تسع كل مسحوق جديد. فانتظمت في
دوائر النساء , لم يكن لديها مصاريف المدرسة . فشاخ عقلها و أصبح تفكيرها رهين
للبدائية و الغائية المغلوطة . و لم تأبه كثيرا لما يفوتها و لا تندم . تحس
بأنها دخلت إلى عالم النساء مبكرا . و لكن في الوقت نفسه تحس بان صويحباتها قد
تهن في أول الطريق إلى الحياة . فذهبن يلتمسن المعرفة . فحملت حقد المقهورات
من صاحباتها و أصبحت لسان حالهن . و غير نادمة حتى غرقت في برك القشور . لعنت
المجتمع و التي تعلم تقصيره تجاهها و هو يعلم ذلك . و رفضت الشفقة بعد ما إن
تمردت على القلم و الورق و دنيا الكتب . استبدلت شنطتها بشنطة مليئة بعلب
مستحضرات التجميل . و التي حصلت عليها بطريقة أو بأخرى . تريد الحياة السهلة .
" محاسن " التي تعرفها البلدة قد رحلت إلى عالم المدينة الشائك. لتعمل في أحدى
مكاتبها ذات الفخامة و الأبهة . تطأ بمظهرها أنف كل فتاة تفوقها في العلم . و
هكذا أنجب الوطن فتاة لا يعرف لها وظيفة أو تاريخ عمل . كرهت كل مباني
الوزارات و كل وكرهت إن تنظر إلى التلفاز و حرمت على نفسها سماع الأخبار .
أصبح الكون في نظرها نظام قبلي لا محرم فيه أو ضابط . فعندما تتذكر جرس الطابور
و أناشيد الوطن تلمح أمامها سحابة سوداء و عندما تتخيل هيئة التدريس ترى سرابا
أمامها ثم ينمحي شيئا فشيئا . "محاسن" تكره الامتحان تريد إن تقفز إلى كرسي
مريح بلا أدنى تعب . وكاتبة و عاملة تحت إمرتها . كرهت صبر السنين . فأصبحت
كالسعيد الذي اتعظ بغيره يكفي إن تجرب الحياة حواء واحدة . و افترضت إن يكون
هنالك قانون يحمي المرأة و الإنسان . إن الذي يهيم على وجهه راجيا من وزارة إن
تعينه على طموحاته فهذا ضرب من الوهم و السراب. و ضرب من الافتراض البهيم في
فصل من فصول مدينة أفلاطون .
هكذا أسقطت "محاسن" كل أفلاكها و راياتها و فنارات السفن التي رسمها الغير.
أصبح كوكب الأرض غير جدير بالإنسان . إذا فلتجرب الطيور لأنها لا تفتر من
التحليق و الإنجاب . فتصنع لنا أعشاش بسيطة . ليست بها دور علم أو رياض أطفال.
و كاد ذكاؤها إن يحطمها و لكن دلف بها الفقر و العجز إلى عالم الواقع . انعكس
على دواخلها واقع من حبت إن ترتدي و هي عارية . واقع التي تصيح في الظلام وهي
تستمسك بحسن المظهر و إنطاق الجسد . الحياة عندها أرقام حسابية . و ما الأرقام
إلا افتراض. و ما قانون الطفو إلا افتراض و ما المرأة و الرجل إلا افتراض .
أنها ذكية لماحة لكنها لم تستطع مواصلة العلم . تريد إن تدافع عن الصبيان ذوي
السادسة عشرة الذين يذهبون إلى أدغال الحرب و كل هذا افتراض . لكنها لا تملك
مكتبا أو رسوم محكمة أو حق شرعي إلا الحق الطبيعي كأنثى تدافع عن ذكرها و
تبكيه كل ليلة . لعله إن يكون سارا إذا جاء الأطفال القادمون ليتصادق مع وهج
أفكارها .فتدور الكره في ملعبها و تارة في ملعب هؤلاء فعزفت عن الدراسة و عزفت
عن الحب بعد ما ولدته في جوفها مبكرا و وأدته مبكرا . فاستخدمت حبوب منع الحب
مبكرا أقراصا من الكراهية و الشحن الزائد . فارتمت في عباب شيخ كبير عل الحياة
قد هجرته لم يعرف تقنيات العالم الجديد و لا يعرف استخدام البندقية الهم إلا
سكينة قد يستخدمها لتجهيز شرائح البصل و البندوره . فتراها في كل مكان في صفوف
الخبز و الأسواق و الغرف المهجورة . تحمل في عينيها ألف سؤال . فتارة أخرى
ترجع فتنكر نفسها . تبحث عمن تنتقم منه لكنها لا تجد من تنتقم منه . فتعود
مرتدة إلى أعقابها . فتصلي و تسبح الخالق الجبار . لم تكن متصوفة ولا متدينة .
بل هي من خليط صلصال تكونت منه . كم زرفت دموعا ثخينة . و كم ندمت على ظلام هذا
الكوكب . فعندما تهم بالهروب تركب دابة الفكر . فترقص و تغني أغنية متردية و
تنزوي إلى ساحرات العالم الآخر و تدرج نفسها في عالم البخور ز السحر . وتارة
تجلس على الشط تلحظ الحياة في بطون المراكب و السماكين . فتمسك سمكة تلفظ
أنفاسها الأخيرة و تسألها عدة أسئلة و لكن بلا جدوى . من الذي قضى عليك ؟ هل كف
الناس عن الغذاء الذي بباطن الأرض؟ هل داهمتك صنارات القراصنة ؟ إلا ترين انك
مهيضة مثلي ؟ و أين الذي يدافع عنك ؟ هل قتل أيضا منذ آلاف السنين ؟
و هل هما قابيل و هابيل مثلتا ؟ تجلس دائما و تضع خدها على ركبتيها لتدع الهواء
ينفض عنها غبار السنين و لكنها لا تنتظر عشيق أو ولهان . فقط تريد الإجابة .
فإذا استعصى عليها الأمر ترجع إلى مرقدها فلا تنام و لا تستيقظ . فترجع مرة
أخرى إلى شواطيء الأحلام فلا تجد إلا خيبة الأمل فتجد كل دوحة تحتها اثنين
حملتها دواعي الزمان و التغير . فتبطش بهما بناظريها فقط .فتنعدم في دواخلها كل
رحمة في تلك اللحظة . و عندما تمتليء غيظا و غضبا تذهب للبقال و تسأله لكن بلا
جدوى . و تذهب للسائق لكن بلا جدوى . وتذهب ... وتذهب ... و أخيرا تذهب لكل
شاب تعلم و درس فتعلم أنها لقيطة و أنها مهيضة و أنها فتاة فقدت فتاها و أنها
راهقت مبكرا و أنهكتها تقلبات الزمان و أنها بطشت بها السن و أفكار المغتربين
والزعماء و السياسيين و الحكام . فتعود مرة أخرى بعد معاناة شديدة وهي مقتنعة
بواقعها و تحمل شنطتها من جديد و تعود مع التلميذات للفصل من جديد و تعود لها
الابتسامة المستعارة . فتكتب بعدما إن تعدت طور المراهقة و أصبحت ناضجة مظلمة
عظمى إلى كل الذين يقودون الإنسانية . " أرجو الاحترام و عدم الإهمال "
فتعود الأولى على الفصل و المدرسة ولكنها ما زالت مكدودة .



تمت .


السعودية-الرياض

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved