حينما أذاع اللواء عمر سليمان بياناً مقتضباً من رئاسة الجمهورية كانت كل العيون مشدودة إلى التلفزيون المصري.. نائب الرئيس الذي لم يكمل إلا أياماً قليلة في المنصب نقل للشعب المصري والعالم نبأ تنحي حسني مبارك بعد ثلاثة عقود من الإقامة الدائمة.. علق أحد المراقبين بأن الرئيس مبارك أفصح في الوقت الخطأ.. تفسير العبارة لو أن الرئيس مبارك قبل اعتصام يناير أعلن صراحة عن رغبته في المغادرة دون توريث لما هبت رياح الربيع في مصر المحروسة بمؤسسات قابضة لا تفضل إلا التغيير البطيء والمدروس. يوم الأحد الماضي أجرت قناة العربية حواراً مطولاً مع الرئيس البشير.. مجرد أن تحاور قناة العربية المشير البشير فإن ذلك يمثل خبراً.. هذه القناة تم إغلاق مكاتبها في السودان بعد مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣.. رغم تحسُّن علاقات الخرطوم بالخليج إلا أن القناة السعودية المقيمة في دبي ظلت تنتهج خطاً مستقلاً يستبطن بعض العداء للحكومة السودانية.. صحيح لاحقاً تم السماح للعربية بمعاودة البث من الخرطوم . الرئيس البشير في لقاء العربية حاول إرسال عدد من الرسائل لعناوين محلية وعالمية.. سنعود لذلك مجدداً.. لكن أهم رسالة للرئيس البشير كانت موجهة للشعب السوداني.. بشكل واضح أعلن البشير أنه غير راغب في الترشُّح مجدداً في العام ٢٠٢٠.. قرن الرئيس قوله باحترامه للدستور الساري الذي حدد دورتين فقط كحد أقصى.. المهم في الأمر أن الرئيس البشير اعترف بوجود تنافس على الخلافة الرئاسية في السودان.. القرائن الثلاث تفيد بأن الرئيس عازم هذه المرة على المغادرة بشكل نهائي. في تقديري أن الرئيس البشير اختار وقتاً جيداً للمغادرة.. على النطاق المحلي ليس بوسع الرئيس البشير أن يسجل أي أرقام قياسية جديدة تضاف لسجله كأطول حاكم على السودان في التاريخ المعاصر.. كما أن الرئيس البشير تمكَّن من تحقيق قدر من التراضي والتصالح بين السودانيين عبر عملية الحوار الوطني.. بل الآن في وسع خليفته أن ينجز تسوية سياسية شاملة.. عبر هذا الترتيب سيحتفظ الرئيس بلقب الرئيس السابق بالإضافة لتأثير كبير على المشهد السياسي السوداني في المستقبل القريب. الأهم من ذلك أن الرئيس اختار توقيتاً يناسب التوقيت الإقليمي.. سيتمكن الرئيس البشير في الأعوام الثلاثة القادمة من تعبيد مسار العلاقات مع الخليج العربي.. قفز البشير برشاقة من المحور الإيراني وبقفزة أخرى محسوبة في حرب اليمن صار أحد رموز المحور الخليجي في ذات المكانة التي كانت تحظى بها مصر.. التحرك الإيجابي في ملف العلاقة بين واشنطن والخرطوم أيضاً يمر عبر العواصم الخليجية.. المملكة العربية السعودية ستكون حاضرة في ترتيبات خلافة الرئيس البشير.. ستكون الرياض وفيّة لأيادي المشير البشير في ترقية العلاقات الثنائية وفي هذا ضمانة للانتقال السلس للسلطة في السودان. إعلان البشير عن نيته مغادرة السلطة سيُحدث دويّاً في العالم الغربي.. التداول السلمي للسلطة في ثقافة تلك الأمم يمثل أمراً جوهرياً.. نجاح السودان في عبور هذا الامتحان سيُثبت لتلك الدول المتشككة أن تحولاً جوهرياً قد حدث في السودان.. الإحساس الجديد يفتح الباب لتسوية عدد من الملفات المهمة من بينها إعفاء الديون الخارجية وإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.. كما أن توقيت الإعلان سيجعل السودان يتجاوز أمر العقوبات الأمريكية التي من المنتظر أن تنظر فيها إدارة ترامب في يوليو المقبل . بصراحة.. أثبت الرئيس البشير قدرته على قراءة الأحداث بشكل جيد.. ولكن ستكون المشكلة مع الحنابلة وليس الإمام أحمد بن حَنْبَل كما يُكثر الأستاذ إمام محمد إمام من هذا الاستدلال..! assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة