عفوك والدتي يا أم الكرام أطل الخطب وإنفض الوعيد وبعدك ليس لي يوم سعيد ما أوسع الحزن وأضيق الكلمات وأعجز التعبير حين تكون النازلة أكبر، والفقد أعظم ثم يفاجئك القدر في عفلة يزعزع أركانك وأنت بين الحياة الحياة والموت على السرير الأبيض تنازعك مشاعر شتى من القلف والتوتر يغلب عليها التوجس والألم هكذا كان حالي حين تسلل الموت خلسة ليغرس أنيابه السامة في أحشائي المنهكة أصلاً بسبب معاناتي الصحية وفي غير ما رحمة يختطف عزيزاً غالياً كنت أدخره ملاذاً عند المحن والشدائد، ولطالما كنت أستمد من وجوده الأمل والطمأنينة وطعم الحياة. الىن لست أدري هل لي أن أخاطب حبيباً فارق الدنيا وكان لنا حضناً رؤوماً وقلباً حنوناً وصدراً دافئاً وبرداً وسلاماً معيناً على هجير الحياة وقسوة الزمان فهل من سميع؟؟. عامان مضيا على رحيلك وما زال الجرح غائراً والفؤاد مشطوراً والقبل كسيراً والوريد نازفاً وأصبحنا أقل مما كنا وأصبح بعدك كل شئ عدم. بعد غيبة أمتدت لعامين عدت من رحلة الإستشفاء وقصدت دارك لأحييك كما تعودت وبي شوق عارم لرؤياك فتعثرت خطاي وحار بي الدليل وجال نظري في أرجاء الدار باحثاً عن المستحيل في لهفة وتطلع وكان قلبي يخفق وجلاً ولكن هيهات, والحقيقة الكبرى قد أطلت وعندها أدركت أن غيبتك هي التي ستدوم حيث لا يدوم إلا وجهه الكريم، فأطبقت الدنيا عليّ ظلاماً دامساً وترآي لي خيالك وصورتك البهية وصوتك الدافئ وحديثك الحنون الحبيب إلى نفسي تلك كم كانت لحظة قاسية فجرت غلالة من الدمع السخين حجبت عني رؤية كل جميل بعدك يا أعز عزيز. وأنت وإن أفردت في دار وحشة فإني بدار الأنس في وحشة الفرد
في أمومة دافئة أرضعتنا حليب المحية والرضا ورعتنا بالعطف والحنان وسقتنا قيم الفضيلة ومكارم الأخلاق وسارت بنا على سفينة الحياة في هداية ورشاد هذا، وكانت قد ترملت في عنفوان شبابها فنذرت نفسها على تربيتنا وتدبير أمور حياتنا وعوضتنا فقد والد عزيز في سن مبكرة لنا وله ولها. كانت تحثنا علي طاعة الله والشهامة والمروءة والتواصل مع الأهل وكان ذلك بعضاً من شمائلها الحميدة حيث عرفت بحنانها الزائد وكرمها الحاتمي وكانت دارها قبلة للأهل والأحباب تتلقاهم بوجه طلق بشوش هذا وقد أمتد عطائها السخص ليشمل الأحفاد فغطتهم بسحائب المحبة وأمطرت عليهم من فيض حنانها وعطائها الجزيل. وا حسرتاه من لي بعدك بتلك الإبتسامة المضيئة وذلك الوجه المتهلل الصبوح وكأنه مرآة مجلوة تعكس دهينة قلب يفيض بالخير والمحبة وتقوى الله هذه زفرات من قلب مكلوم أسكبها مداداً عسى أن يطفئ اللهيب نار مشتعلة بهول فقد لا يعوض قد نال منى الفقد كل جميلة وصار فؤادي سقيم دامي الجراح عليكز سبقى حزني مقيماً عليها ما حييت وستبقى ذكراها حية في جوانحي ما بزغ فجر بالضياء أو أضاءت نجوم الليل للساري. اللهم أغفر لوالدتي فإنها في رفدك وحبل جوارك فقها ظلام القبر ووحشة الغربة وعذاب النار، اللهم كن لها أهلاً وملاذاً وأماناً ولعائنا سامعاً ومجيباً وأحشرها في زمرة الطيبين وأنت أهل الرجاء والوفاء يا أكرم الأكرمين. ( يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي." صدق الله العظيم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة