“لعنة الذهب” في جبل عامر… وقائع وشهادات وألغاز! التغيير الإثنين, 6 فبراير, 2017 “لعنة الذهب” في جبل عامر… وقائع وشهادات وألغاز! تحقيق التغيير/ التغيير –الخرطوم – بني عامر
“التبر معلون، التبر طعام الشيطان”، المثلوجيا الأفريقية صدقت في جبل عامر، الذهب الملعون جعل من الجبل وسفحه أرضا للموت المجان، الموت بسبب حفنة تراب مخلوطا بالذهب وملوثا بالدم، المأساة قديمة، مأساة الإنسان والأرض ودارفور والسودان، المشكلة لم تبدأ مع تصريح وزير الداخلية عصمت محمود ” يوجد في جبل عامر ثلاثة آلاف أجنبي مسلح” ولم تنتهي بنفي قائد مليشيات الجنجويد الجديد حميدتي ” جبل عامر مافيه أجنبي واحد”، “التغيير الإلكترونية” استنطقت الشهود الذين استساغوا الموت في جبل عامر، وجميعهم أكدوا أن الحكومة هنا لا ذكر لها! منسية منذ سنين عددا! وكذلك أكدوا أن الذهب وفير ولكن الموت أوفر، وفوق هذا وذاك تكشفت لنا حقائق مذهلة، عن حكومة جبل عامر والآمر والناهي فيها، وعن أشياء أخرى كثيرة ، تؤكد على حجم الخراب الذي وقع، وتكشف مدى العبث بأرواح الناس ومستقبل بلد بأكمله.
تقرير الأمم المتحدة
الحقيقة التي تسببت في النزاع بجبل عامر، هي وفرة معدن الذهب في باطن أرض سفح الجبل،وبين صخوره الصلدة، يتم الحصول عليه عبر التنقيب أو التعدين العشوائي بواسطة المواطنين، الذي تستخدم فيه أدوات حفر عادية (أجنات ومعاول)، ربما في منطقة تبعد نسبيا عن الجبل يتم استخدام آليات للحفر، وللوقوف على إنتاج الذهب في الجبل سنعتمد على مصدر موثوق لدرجة كبيرة، وهو فريق الخبراء من الأمم المتحدة الذي يراقب الأوضاع في الإقليم، بموجب تكليف رسمي، في واقع الأمر ، الأرقام كانت كبيرة للحد البعيد وتفسر في ذات الوقت العنف الذي استخدمته مليشيات الأبالة التي تتبع لموسى هلال في السيطرة على الجبل ومناطق التعدين حوله.
(422) مليون دولا سنويا
أكد تقرير الأمم المتحدة على أن المستخرج من الذهب من منطقة جبل عامر، يبلغ (8,571) كلغ سنوياً، ويعادل (422) مليون دولار، وهذه الكميات المستخرجة يعود ريعها الأكبر إلى زعيم الجنجويد الأبالة موسى هلال ورجال مليشياته الذين يسيطرون على الجبل دون غيرهم بعد معارك طاحنة مع قبيلة بني حسين (سكان الجبل الأصليين)، وأشار التقرير الأممي إلى نقطتين هامتين وهما أن الأبالة في الجبل يحصلون على مبالغ كبيرة تبلغ (28) مليون دولار سنويا من الأتاوات التي يفرضونها على العاملين في الجبل من بائعين متجولين وأصحاب محلات الطعام وبيع المواد التموينية وكذلك أصحاب طواحين الحجر وصغار المعدنيين، وكبرى الشركات على حد سواء! وهذه الأتاوات مقابل السماح لهؤلاء بممارسة نشاطهم وحمايتهم في ذات الوقت، والنقطة الثانية تشير إلى أن غالب إنتاج الذهب في جبل عامر يتم تهريبه إلى دولة الإمارات العربية، بمعرفة نافذين في الأجهزة الشرطية والأمنية، بعد تجميعه في مدينة الجنينة ونقله جوا إلى الخرطوم وتهريبه بعد ذلك، وكشف التقرير عن إن (10100) كلغ تم تهريبها إلى دولة الإمارات وتتسلمها جهة واحدة لم يتم ذكرها في التقرير صراحة.
بداية السيطرة
الرواية المتداولة هناك، تقول بأن المعركة الأولى كان السبب فيها قبيلة بني حسين ، عندما قتل ثلاثة رجال منها رجل من الأبالة المحاميد، بعد أن تنازع معهم حول بئر منتج للذهب وادعى ملكيته، وبدورهم تجمع الأبالة وهجموا على البني حسين ودارت معارك طاحنة بين الجانبين، حسن أحد الشهود على الأحداث التي وقعت في 6/يناير /2013، يروى لـ(التغيير الإلكترونية) ما جرى يومها ويقول، ” سمعنا أن الأبالة قاموا بطرد عدد من البني حسين من بئر ذهب منتج في شرق الجبل، وهددوهم بالموت إن هم عادوا ، في الليل تسلل رجل من بني حسين وقام بقتل أحد الأبالة بطعنه قاتلة بسكين، في صباح يوم الحادثة كان الجو متوترا، وفي الظهيرة بدأ الأبالة يتوافدون على الجبل واندلعت الاشتباكات وكان البني حسين أيضا مستعدين، وقتل نفر كثير يومها وفر عدد هائل من المواطنين إلى منطقة السريف ومنطقة كبكابية، ونقل الجرحى إلى المشافي في السريف وكبكابية ومشفى اليونميد”، الأمر الذي اتفق عليه الرواة والشهود، هو محاولة الأبالة فرض سيطرتهم على الجبل حتى قبل الحادثة، الأمر الثاني افراط موسى هلال ورجاله في العنف في أحداث 2013، لمنع الناس من الاقتراب من الجبل إلا عبرهم وقد كان لهم ذلك، وفي الأيام التالية تمدد القتال ليصل إلى مناطق تبعد نسبيا عن جبل عامر وأحرقت عدد من القرى ومن بينها قرية (مرتبو) و(ام جرو) و(جاب الله) و(خضيرة) و(العدار) و(الجهير) و(مندار) و(سابو) و(ابوسارة).
عنف ضد الحكومة
في روايته قال حامد (كانت له مطحنة حجر في الجبل فقدها) وأضاف (للتغيير الإلكترونية) ” الذين أسهموا في قتل البني حسين وطرد الناس من الجبل كانوا يستخدمون أسلحة ثقيلة تتبع للحكومة وكان جميعهم من قوات حرس الحدود الحكومية التي تم استيعاب الأبالة فيها لقتال الفور والقبائل الأخرى” ، ووقتها حاولت قوات حكومية التدخل لحسم الصراع غير أنها لم تستطع ذلك وفشلت القوات الحكومية حتى في حماية المدنيين، وهي قوات من الجيش وقوات الإحتياطي المركزي المعروفة بقوات أبوطيره، وكذلك الوالي وقتها عثمان يوسف كبر فشل في الوصول إلى منطقة قريبة من الجبل وعاد إلى الفاشر خائبا رغم تصريحاته في ذلك الوقت التي تشير إلى سيطرة الحكومة على الموقف.
استعداء الوالي
في أول الأمر سعى كبر والي شمال دارفور وقتها في إفشال مخطط موسى هلال في السيطرة على جبل عامر، بأن قام بتشكيل لجنة لإدارة شؤون الناس في مناطق التعدين في جبل عامر، غير إن هلال رفض ذلك الأمر وقام بطرد اللجنة من الجبل، وسعى في تفاهمات مع قبيلة البني حسين من واقع سيطرته على الأرض، مفادها بحسب حسين أحد أبناء قبيلة بني حسين ” بأن يعملوا بالثلث ويعين منهم أمير يشرف على تحصيل الأموال منهم حتى لا يدخلوا في اشتباكات مع الأبالة ويحافظوا على سلامتهم” وهذا الاتفاق كان لا مناص منه، وقبل به جماعة البني حسين ومن يعملون في جبل عامر، غير إن كبر الوالي عده سيطرة على منطقة الجبل، وأرسل إلى هلال بذلك، وهنا اتهم موسى كبر بعرقلة الصلح وبأنه صاحب مصالح شخصية في ذهب الجبل، وتطور الأمر إلى المطالبة الصريحة من هلال للمركز بإعفاء كبر وتعيين آخر مكانه، وفي مطلع مارس من عام 2014، تعرض عثمان محمد يوسف كبر إلى محاولة إغتيال وكادت أن تنجح وأفلت منها بأعجوبة، عندما هاجم مسلحون موكبه وقتل سائقه وحرسه في الهجوم، ومن هذه النقطة بدأت الأمور تتجه نحو التهدئة بين كبر وهلال، وتتجه نحو السيطرة الكاملة لهلال ومليشياته على جبل عامر، بعد انسحاب الحكومة منه بالكامل.
اتفاق علني وسري
دان الأمر لهلال في منتصف 2014، بعد أن لوح بالتمرد على الحكومة، وهاجم الانتخابات التي ستنطلق في مطلع 2015، ولوح بنسفها، المهم الحكومة وقعت معه اتفاق (جنتل مان) في أن تتركه في حاله ما تركها، وهو أمر لا تخفيه الحكومة، وتشير مصادر إلى أن هلال درج على دفع مبالغ كبيرة إلى نافذين في الخرطوم، في مقدمتهم الرئيس عمر البشير نفسه، ومقربين منه في القصر، وكذلك قيادات في المؤتمر الوطني والجيش وإلى عدد من الصحفيين والإعلاميين، وآثر خلال السنوات الثلاثة الماضية عدم مواجهة الحكومة والإكتفاء بجمع ثروات كبيرة من ذهب الجبل وحمايته من المتطفلين، استعدادا لمرحلة مقبلة كما يسر لجلسائه الخلص المقربين.
الموقف الآن: وجود أجنبي
قضية جبل عامر عادت إلى السطح، مع تصريح وزير الداخلية بوجود ثلاثة آلاف أجنبي مسلح في الجبل، وهذا ما لا يرغب هلال في تناوله لأنه يريد ان يصرف الأنظار عن جبل عامر، ولما كانت لقائد مليشيات الدعم السريع احمد حمدان دلقو (حميدتي) صلة قرابة مع هلال- أحد المستفيدين من ثروات الجبل حاليا، وفي مستقبل خطة هلال، انبرى لنفي الوجود الأجنبي المسلح، وانطلقت حملة شعواء ضد تصريح الوزير تؤيد ما قاله اللواء حميدتي والمفارقة المدهشة صمت وزارة الداخلية عن حملة تكذيب الوزير وهي الوزارة التي تملك ناطقا باسمها وإذاعة وصفحات اسبوعية في الصحف اليومية، أحد العاملين في جبل عامر(م) قال (للتغيير الإلكترونية ) ” الأجانب كثيرون، وهم في الجبل منذ 2014، ونعرفهم ويتعاملوا معنا، بعضهم يحمل أرقام هواتف تشادية وغيرها”
صحفيون على حاملات الجنود
عدد من الصحفيين شاركوا في حملة النفي الشعواء، بقصد أو بدونه، حينما زاروا الجبل، على طريقة الصحفيين الذين يدخلون العراق على حاملات الجنود الأمريكية أيام غزو العراق إذ معلوم أنه لا أحد يدخل إلى جبل بني عامر إلا بعد إذن رجال موسى هلال و تحت حمايتهم ، مواطنا كان أم رسميا – الرسميون لايكاد يصل أحد منهم مناطق التعدين- لذا موسى هلال ورجاله حملوا الصحفيين إلى هناك ووفروا لهم الحماية، وأرشدوهم إلى المناطق التي يسمح لهم بالتجول فيها، وأمضى الصحفيون ساعات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في الجبل وسفحه الذي يقطنه أكثر من 140 ألف نسمه بحسب آخر تقديرات رسمية، وأجمعوا كلهم على أن لا وجود لأجانب، وقطعا فرصة تحقيق صحفي مستقل أمر مستحيل ويعرض الصحفيين إلى الموت بنسبة كبيرة.
غير أن عددا من أبناء دارفور وبالذات منطقة السريف وفي مواقع التواصل الإجتماعي وجهوا انتقادات لاذعة للتغطيات الصحفية من جبل عامر، مؤكدين وجود أجانب من دول الجوار برعاية الجنجويد والأبالة.
اجانب أم لا ..مسلحون أم لا؟
سنعتمد هنا على تنوير رسمي للجيش، جرى مطلع يناير الجاري، مصدرنا ضابط برتبة عسكرية رفيعة بالقوات المسلحة، بطبيعة الحال شدد على عدم ذكر اسمه، سألناه هل أشاروا في التنوير إلى وجود أجانب في جبل عامر أم لا ؟ قال ” نعم هنالك أجانب ولكن” واستطرد في الشرح بأن هؤلاء الأجانب معظمهم من قبائل الرزيقات والماحميد ذات القبيلة التي ينتمي لها موسى هلال، وموسى هلال ورجاله ضالعون في إدخالهم للسودان ومن ثم جبل عامر للتنقيب عن الذهب، وهؤلاء الأجانب من النيجر وتشاد، كما توجد إثنيات من تشاد والنيجر ليسوا رزيقات ولا محاميد ولكن عددهم أقل” وأضاف المصدر العسكري بأن العلاقات في الجبل بحسب التنوير مرتبة، كل قائد له مجموعة من آبار الذهب، يشرف عليها رجاله، وما ينتج من عائد يعود ثلثه للحفارين الذين يجلبون من مناطق مختلفة، وهو بدوره ، يدفع للقيادة التي تنوب عن هلال.
هل هؤلاء الأجانب مسلحون؟
عند هذا السؤال ضحك مصدرنا العسكري وقال” هل يوجد أحد في الخرطوم لا يحمل موبايل” ؟! أجبنا بلا قال ” كذلك السلاح في تلك المناطق وبالذات في جبل عامر، الكل يحمل سلاح أجنبي أوسوداني” وأشار إلى نقطة مهمة وهي أن جماعة موسى هلال وحميدتي في مرات يستجلبوا منقبين من أم درمان سوق ليبيا ، ويسلحونهم طول الطريق ويستخرجوا لهم بطاقات دعم سريع، وهناك يقاسمونهم الذهب بالطريقة المتفق عليها، وهل للحكومة أي أثر في الجبل قال ” في هذا الوقت لا” ومن يحمي الناس هناك ومن يطبق القانون “؟ الآن لا توجد حماية إلا من الأبالة أنفسهم، من يرضون عنه وينفذ تعليماتهم آمن ومن يخالف ربما يموت” هل يمكن أن تتدخل الحكومة، او هل لها مقدرة على التدخل؟ قال ” كان هذا الأمر أهم ما جاء في التنوير من قيادة أركان الجيش، وتأكد إمكانية القوات المسلحة من السيطرة على الجبل حال أرادت القيادة السياسية ذلك، لأن الجبل خلافا لمناطق كثيرة في درافور يقع في منطقة منبسطة وأرضها طينية قوية، وهي المنطقة التي تشهد مناطق التعدين الحقيقي، وهي منطقة يمكن استخدام المدرعات والمتحركات العسكرية فيها بسهولة، وبالطبع هزيمة أي شخص يعترضها”
جبل عامر في يد (الكسابة)
الحقيقة التي لا يختلف عليها إثنان، جبل عامر في قبضة موسى هلال وحميدتي ورجالهم المعروفين بالأبالة، وهم المستفيدون الأساسيون من خيراته من الذهب وغيره، والحقيقة المتفق عليها أيضا أن الحكومة منسحبة من الجبل بالكامل لتقديرات تخصها، ووجود الأجانب المسلحين لأغراض التعدين والتكسب أمر تؤكده الوقائع وإفادات الشهود، ولكن المعركة الأخطر هي المعركة المؤجلة بين قوات الحكومة والأبالة بقيادة موسى هلال وربما حميدتي حينما تقول الحكومة لهؤلاء (الكسابة ) كفى، وهي معركة لا يعرف أحد حجمها وإلى أي هاوية ستجر إقليم دارفور المثخن بالجراح بل والسودان بأسره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة