في مطلع ثلاثينات القرن الماضي كَتب السيد محمد أحمد المحجوب في مجلة النهضة مقالاً بدأه بعبارة أكتبها من ذاكرتي (مضى من عمر السودان 33 عاماً لم ننجز فيها شيئاً..) .. أي أنه اختار العام 1898 ليكون خط الصفر لحساب حصاد الـ33 عاماً منذ بداية دولة الحكم الثنائي في السودان. فنأخذ نحن تاريخ الأول من يناير 1956 ليكون (خط الصفر الوطني) لنقيس منه المسافات والارتفاعات والمنخفضات السياسية السودانية.. وبالحساب السياسي المحض فإنّ العام 2020 محطة تاريخية يبلغ فيها عمر السودان المستقل (64) عاماً ويجدر أن تعنون بـ (الجمهورية الثانية). وقبل عدة سنوات؛ بالتحديد في العام 2011 عندما انفصل جنوب السودان فكّر البعض في تسمية المرحلة القادمة للسودان المبتور (الجمهورية الثانية)، لكن باستثناء الأرض التي خرجت من حدود السودان السياسية وأسمت نفسها دولة جنوب السودان، لم يتغيّر شيء، نفس الإيقاع بنفس الرموز السياسية في الحكم والمعارضة ونفس الحكومة بنفس الوزراء.. فلا جديد يستحق أن يوسم بـ (الجمهورية الثانية). ومصطلح الجمهوريات هو ابتكار فرنسي، أطلقت (الجمهورية الأولى) على أول حكم بعد الثورة الفرنسية من العام 1792 حتى 1804، ثم الجمهورية الثانية في الفترة من (1848 إلى 1852)، ثم الجمهورية الثالثة – وهي أطول الجمهوريات الفرنسية عمراً - من العام 1870 حتى 1934. والجمهورية الرابعة من العام 1946 حتى 1958. وأخيراً أشهر الجمهوريات الفرنسية؛ الجمهورية الخامسة التي ارتبطت بالجنرال "شارل ديجول" من أكتوبر 1958 ولا تزال. قد يطرأ السؤال المنطقي وما هي الحاجة لإعلان (الجمهورية الثانية) في السودان؟ كتبت كثيراً أنّ خللاً بنيوياً في تركيبة وهيكلة سودان ما بعد الاستقلال، نتج عنه الاعوجاج المستمر في القوام السياسي فترنح السودان ما بين عهود حزبية وأخرى عسكرية صرفة وثالثة مختلطة، كان القاسم المشترك بينها غياب الاستقرار السياسي المدمر. (غياب الرؤية) كان عنوان العلة التي عصفت بأحلام الشعب السوداني، الذي بكى فرحاً عندما أصبح السودان حراً مستقلاً.. ولم يكن حينها يدري أنه سيبكي مرات ومرات من وكسات الحكم الوطني القادم. الصراع السياسي الحزبي المبذول على الأنانية وشح النفس أهدر السنوات بين حكومات تسقط وأخرى تُدك تحت دبابات الانقلابات العسكرية دون أن تظهر في الأفق (رؤية) سديدة لمُستقبل يبنى على أركانها الوطن الكبير. الآن؛ بدل البكاء على اللبن المسكوب، الأوفق أن نبني أسس (الجمهورية الثانية) ونتعلّم من دروس أخطائنا التاريخية لنرفع بنيان مستقبل مضاء بعبر التجربة. الرؤية في (الجمهورية الثانية) يجب أن تقوم على تلبية (الحلم السوداني) وليس (أحلام الشعب السوداني)، فالشعب السوداني من فرط ما تعرّض له من تهميش وتخلف عن مواكبة النهضة ما عاد قادراً حتى على (الأحلام الكبيرة).. شعبٌ باتت (قفة الملاح) هي أقصى أمانيه، في وقتٍ أصبح لدول أخرى (وزارة السعادة) والرفاهية والرخاء. لكن هذا (الحُلم السوداني) لا يتحقّق ويصبح حقيقة لها ساقان، إلاّ إذا قام على منصة (رؤية) لها أركان أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء من (المفاهيم) والمبادئ الحصيفة. بكل يقينٍ، نحن دولة قوية بمواردها الطبيعية والبشرية وأنعم الله علينا بموقع جُغرافي استراتيجي عَظيم.. بثقتنا في قوتنا الذاتية نصنع الرؤية التي تحمل آمالنا في وطنٍ مُزدهرٍ. تبقى المفاهيم التي تقوم عليها (الجمهورية الثانية). الركن الأول الذي تقوم عليه (الجمهورية الثانية) هو (دولة القانون). أضعنا عُمرنا الوطني تحت وطأة (السيد هو القانون) بدلاً من أن يكون (القانون هو السيد).. فعلى قدر أهل الجاه يُخرق القانون، وأدى ذلك لتلاشي قوام الدولة الحديثة التي أورثنا لها الاستعمار لتبرز من بعده دولة الـ (لا) دولة يحكمها المزاج وقوة الأمر الواقع. الركن الثاني: دولة المؤسسات، فغياب المؤسسات يعني تضخم نفوذ الأفراد، الذين مهما كانت نياتهم حَسَنة لكنهم بشرٌ يخضعون لقانون الطبيعة التي تحتم أن (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة). الركن الثالث: فصل وتوازن السلطاتChecks and balances. الركن الرابع: التخطيط لكل من هذه الأركان الأربعة مطلوباته وشروطه التي يمكن التفصيل فيها. المُهم؛ وقبل كل شيء، أن نحشد الإرادة ونشد العزم. فلنبدأ مسيرة تصميم (الجمهورية الثانية) في السودان. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة