لضحاياها الرحمة والشفاء .. فالمسماة اليوم بالإسهالات المائية - وهو اسم دلع طبعاً - وضعها أبو الطب أبقراط على صدارة قائمة أقدم الأمراض في تاريخ البشرية.. أي هذه الإسهالات ال" />
لاتظلموا النيل ..!! بقلم الطاهر ساتي لاتظلموا النيل ..!! بقلم الطاهر ساتي
> لضحاياها الرحمة والشفاء .. فالمسماة اليوم بالإسهالات المائية - وهو اسم دلع طبعاً - وضعها أبو الطب أبقراط على صدارة قائمة أقدم الأمراض في تاريخ البشرية.. أي هذه الإسهالات المائية هي أقدم الأمراض،
حسب تصنيف أبو الطب في القرن الرابع قبل الميلاد .. وتعيش بكتريا الإسهالات المائية في كل مصادر المياه حول العالم، ولا تتأثر بالمناخات .. ولا تظلموا النيل، فإن بكتريا الإسهالات المائية لاتنشط إلا في (البيئة المتخلفة)، أي التي أهلها بحاجة إلى تعلم (كيفية الحياة).. وعليه، حين تنظر إلى حياة الناس بالمناطق المصابة بالإسهالات المائية، تكتشف ( أصل الداء).. !! > فالإسهالات داء مقدور عليه، ولكن لا علاج لأصل الداء غير (التغيير الجذري )..ليس تغيير وزير بآخر، ولا تغيير نظام حُكم بأخر فحسب.. لا، فالأمر( أكبر من كده)..وقديماً قالوا : إذا أردت أن تعرف مدى تحضر أي مجتمع، فانظر إلى أنديته وما فيها من أنشطة.. وإلى شوارعه وما عليها من لافتات ومحاذير.. وإلى مجالس أهله وما هم فيها يتحاورون.. وإلى فضائياتهم وإذاعاتهم وما تبثها من إعلانات وبرامج.. وإلى صحفهم وما تحملها من حوداث وقضايا..و إلى أمراضهم وأسبابها..!! > وإلى مركباتهم العامة، ومواعيد ذهابها وإيابها من وإلى المحطات الرئيسية..و إلى صالات الوصول والمغادرة بالمطارات والموانئ.. وإلى تاكسي المدينة وأُنس سائقها.. وهكذا.. تلك - وغيرها - بمثابة لوحات ناطقة بلسان حال المجتمعات وبلادها.. وأياً منها تكفي لشرح عقل المجتمع..إن كان عقلاً قابعاً في القاع على ركام الجهل أو كان عقلاً محلقاً فوق القمة بأجنحة الوعي..ومنذ ظهور حالات الإسهالات المائية، ما تنشرتها صحف الخرطوم - على لسان المسؤولين - من محاذير تعد عند الآخرين من الغرائب..!! > حذرت وزارة الصحة من تناول الأطعمة والمشروبات الملوثة من الباعة الجائلين، وحتثهم على الاهتمام بالنظافة الشخصية، وغسل الأيدي قبل وبعد الأكل، ثم غسل الأيدي بعد قضاء الحاجة.. ولاتزال هذه المحاذير تصدر - كأخبار رئيسة - في وسائل إعلام الأمس واليوم ، وليس في الصحف القرون الوسطى ..وهذا التحذير الجهير يعيد إلى الذاكرة إعلاناً تحذيرياً لإدارة شرطة المرور بالخرطوم، ثم إعلان آخر تحذيري أيضاً لوزارة الصحة بالخرطوم أيضاً..ممنوع غسيل العربات على أرصفة الطرق..ممنوع استخدام الصافرة والموسيقى الصاخبة بقرب المدارس والمشافي..ممنوع فتح محلات التمباك بقرب المطاعم والكافتريات..!! > ثم ممنوع التدخين في المركبات والمشافي والأماكن العامة.. ممنوع بيع التمباك والسجائر لما دون سن الرشد..ممنوع استخدام الأطفال في زراعة وحصاد وبيع التمباك والتبغ، وممنوع التبول في الطرقات والأسواق .. وممنوع ..وغيرها من المحاذير التي كان يجب أن يتجاوزها المجتمع قبل نصف قرن - على الأقل - بفطرة الوعي، وليس برهبة القانون وتذكير المؤسسات والصحف .. ولكن كيف تكتسب المجتمعات فطرة الوعي بحيث تفضح حالها بمثل هذه المحاذير الخبرية وأمراض العصر الحجري ؟.. لا تكتسبها برهبة القانون، ولكن برشد القيادة ..!! > فالمجتمع الذي يتم تحذيره عبر الصحف - في الألفية الثالثة - بمثل تلك المحاذير المتخلفة وغيرها من شاكلة (لاترمي القاذورات في الشارع)، كان طفلاً على مهد زمن مضى، وكان بحاجة إلى قيادة رشيدة تذهب به إلى وديان العلم والمعرفة، ليكتسب وعياً يقول للناس والحياة بياناً بالعمل : ( لقد ارتقيت).. ولكن للأسف، لم يجد هذا المجتمع رشد تلك القيادة عندما كان طفلاً.. وكان طبيعياً أن يشب على اللامبالاة حتى (شاب عليها)، وأن يشب على الجهل حتى (شاب عليه)..وأن يشب على الفوضى والعشوائية حتى يموت بالإسهال..!! > غابت القيادة الرشيدة عندما كان المجتمع في المهد صبياً، ولذلك لايزال باعة الأحذية في الأسواق يضعون أحذيتهم على (الترابيز)، وبجوارهم باعة الخضر والفاكهة يفترشونها على ( الأرض)..وتضج الطرقات بمن يغسلون عرباتهم على الأرصفة، وبمن يبيعون التمباك بجوار المطاعم، فتحذرهم وزارة الصحة بمحاذير خبرية أو بدروس ( رياض الأطفال)..فالقيادة المطالبة بالرشد الذي يرشد المجتمع - منذ فجر إستقلانا وحتى فجر نهارنا هذا - تبحث عن (السلطة والثروة)، تاركة المجتمعات في بحر (اللامبالاة) ومستنقع (الجهل)..ولذلك، لن يفارق الحال العام اللافتات التحذيرية (ممنوع التبول هنا) و( أغسل يدك قبل الأكل)، حتى لا تُصاب بالإسهالات..!! fb
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة