ظلت الاوضاع الصحية في بلاد السودان خلال سنين الحكم الحزبي والعسكري التقليدي منذ استقلال البلاد وحتي الثلاثين من يونيو 1989 تتمتع بنوع من الثبات والمهنية والمرافق الحكومية المثالية في الاداء وتقديم الرعاية والخدمات الصحية ما امكن لكل اهل البلاد في العاصمة القومية الخرطوم ومدن واقاليم وقري البلاد. في العاصمة الخرطوم كانت هناك ثلاثة مستشفيات كبري في مدن العاصمة الثلاثة ملحق بها اقسام للحوداث ومعامل واقسام للاشعة تعمل علي مدار الاربعة وعشرين ساعة وتقدم خدماتها بالمجان لمواطني الدولة السودانية الي جانب العنابر الملحقة لمن يحتاجون عناية ومتابعة دائمة لاوضاعهم الصحية ولاحديث بالطبع عن " يوم الزيارة " الحدث الاسبوعي الترفيهي والتكافلي في رسالته. ذلك اليوم الذي تحدث عن روعته الشعراء في قصائد العشق والغرام وغني له كبار الفنانين في سودان تلك الايام. كانت في معظم احياء مدن العاصمة الخرطوم المتوسطة والاخري التي يعيش فيها محدودي الدخل مراكز صحية وشفخانات تتفاوت خدماتها التي تستمر طوال النهار وبصورة نسبية كانت باقي مدن السودان تتمتع بنفس الخدمات التي وصلت الي اقصي البقاع النائية في السودان القديم بما فيها مدن الجنوب اثناء الحرب الاهلية. كان يربط البلاد نظام اداري صحي مركزي وجهاز ضخم للامدادات الطبية في الخرطوم جنوب ومراكز اخري كان يوفر الادوية والمعدات الطبية بالمجان لكل اهل السودان. في اخر ايامنا في السودان بعد شهور قليلة من انقلاب الانقاذ وكانت في البلاد ومرافقها الصحية بقية باقية اذكر اني اصبت بالملاريا وتوجهت الي مستشفي الخرطوم في الرابعة صباحا وقابلت احد الاطباء المداومين في صالة بها عدد اخر من الاطباء وبعض تشخيص سريع ارسلني بورقة لمعمل مستشفي حوادث الخرطوم الذي سلمني نتيجة الفحص بعد ربع ساعة عدت بعدها الي الطبيب الذي كتب لي روشتة ذهبت بها الي صيدلية المستشفي الذين اعطوني ادوية مختلفة وخرجت دون ان ادفع مليم واحد. هكذا كانت تسير الاوضاع في السودان قبل ان ياتي نظام الاولياء الصالحين وحكم الاخوان المسلمين بشعاراته ومزاعمه الغريبة التي تردت بالناس والبلاد اسفل سافلين. طاقة الناس في السودان خاصة في هذه الايام لاتتحمل دفع رسوم للخدمات الطبية العلاجية ولم يحدث مثل هذا العناء والتردي في اوضاع الناس الصحية ولم يخرج علي نص هذه الحقيقة الحكومات المتعاقبة منذ عهد " النصاري " المستعمرين ومن بعدهم كل سنين الحكم الوطني غير هولاء المتاسلمين الذين يتناقل الناس وعناوين الصحف اخبارهم ورد فعلهم علي انتشار الاوبئة في بعض مدن البلاد والعاصمة الخرطوم وكيف ان احدهم وهو بدرجة وزير قال ان مايجري ليس من اختصاصه بينما وضع احد كبار المرابين المستثمرين في المجال الصحي ديباجة في احد المستشفيات الاخوانية الخاصة يحذر فيها من استقبال المصابين بالمرض الوبائي الذي انتشر في البلاد هذه الايام. رحم الله البرلماني السوداني طيب القلب وخفيف الظل هاشم بامكار الذي اتاحت لنا الاقدار فرصة اللقاء معه عندما جاء الي القاهرة فترة التسعينات مستشفيا وهو في حالة رهق بدني ونفسي عبر عنه بكل مرارة وهو يحكي عن التحولات الدرامية في البلاد وتردئ الاحوال حتي سالت ادمعه ووسط تاثر الحاضرين ولكنه سرعان ما التقط انفاسه وعاد يمزح كعادته تغمده الله بواسع رحمته بامكار طيب القلب الكريم. حكي للناس في احد نوادره وطرائفه ان بعض اهل الانقاذ تحدثوا معه عدد من المرات وعرضوا عليه المشاركة اكثر من مرة ولما اصطدموا بتمنعه وذهده عن المشاركة في المقبرة الانقاذية في بداياتها قالوا له ماذا تريد بالضبط يا بامكار في محاولة لايجاد منطقة وسطي بينهم وبينه وقال بطريقته ولهجته المميزة " انتو موش ناس الانقاذ" فلما ردوا عليه بالايجاب قال لهم " خلاص يا اخونا رجعونا محل انقذتونا " وليتهم استمعوا نصيحة بامكار وتركوا البلاد وزمام الامر فيها الي من يستحق من اهله قبل ان تدخل البلاد في هذه المتاهة الكبري وقبل ان تحيط بها الاخطار والمهددات احاطة السوار بالمعصم... sudandailypress.net رابط له علاقة بالموضوع :
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة