في الحفل الحاشد كان كل شيء محسوب بدقة..زعماء العالم يتحركون في مساحة مقاسة سلفاً..وزير خارجية السودان كان يجلس بعيداً ومعزولاً..حال مصطفى عثمان يجسد حال بلدنا وقتذاك..لكن طبيب الأسنان يرفض الاستسلام..يحدد هدفه ثم يخرق كل قواعد البروتوكول..يلقي الوزير القبض على يد الرئيس بيل كلنتون شخصياً ..بإنجليزية ذات ملمح أفريقي يقدم مصطفى عثمان نفسه ..قبل أن يفيق رجل البيت الأبيض من هول المفاجأة كان مصطفى يلخص قضية بلده..بعدها بأسابيع يبدأ حوار سوداني أمريكي مثمر. يوم الأربعاء الماضي كان من المفترض أن يسافر وزير الخارجية الدكتور إبراهيم غندور إلى قاهرة المعز..قبل يوم واحد أجل الوزير رحلته بحجة ازدحام جدوله بقضايا داخلية.. حاول الغندور أن يرسل رسالة دبلوماسية تعبر عن عدم رضاء السودان عن ما يحدث من مصر أخت بلادي..في تلك الأوقات كان الجيش السوداني يحصد عدداً من المركبات العسكرية المصرية التي استخدمتها الحركات المتمردة في شرق دارفور..أغلب الظن أن الوزير قرر تأجيل زيارته تحت ضغط إعلامي مكثف من أقلام محسوبة على الحكومة السودانية. بداية علينا أن نقر أن الدكتور إبراهيم غندور يجيد دبلوماسية الحذر ..كما لا يحبذ اللعب الانفرادي..ربما تلك خاصية اكتسبها من عمله كطبيب أسنان يجيد خلع الضروس من الجذور عبر فريق طبي متكامل..غاب إبراهيم عن القمة العربية الأمريكية التي عقدت في الرياض ..قبل ذلك بأسابيع وحينما تأزمت العلاقة مع مصر تأخر غندور في الإمساك بحبل المبادرة فبعث الرئيس مدير مكتبه الفريق طه عثمان ليلتقي السيسي..لكن ردت مصر الزيارة عبر ابتعاث وزير الخارجية سامح شكري رغم أن ملف السودان في القاهرة تسيطر عليه المخابرات المصرية منذ عهد اللواء عمر سليمان. تأخر البروفيسور إبراهيم غندور من زيارة القاهرة في وقت تمثل كل دقيقة مهدرة فرصة ربما لا تعوض.. انحدرت العلاقة بين مصر والسودان لمرحلة لم يسبق لها مثيل..هنالك نذر مواجهة محتملة بين البلدين ..ربما ترتكب مصر مغامرة عسكرية وتقذف أهدافاً عسكرية في السودان.. فعلها من قبل العقيد معمر القذافي حينما هاجمت طائرة ليبية الإذاعة السودانية..حينما لاحقت الفضائح بيل كلنتون أرسل صاروخاً استهدف مصنعاً للدواء بذريعة أنه ينتج أسلحة كيماوية، ..المشير السيسي في وضع مماثل تحيط به النكبات من كل جانب..الخروج من هذا المناخ يستدعي إيجاد عدو خارجي يعلق عليه حاكم مصر كل نتائج الفشل الذريع في توفير الأمن للمواطن المصري والسائح الأجنبي. في تقديري حينما تصل العلاقة بين الخرطوم و القاهرة لحافة الهاوية لا تجدي دبلوماسية الحذر والمناورة..أي مواجهة دبلوماسية أو عسكرية ستكون نتائجها وخيمة على السودان في هذا التوقيت الحرج..بلدنا تكاد تخرج من نفق العقوبات الأمريكية المظلم..لهذا كل خطوة في الاتجاه الصحيح مطلوبة ومرغوبة..لهذا على الغندور أن يهبط مصر في أسرع وقت ممكن.. وعليه أن يدير حواراً صريحاً مع الأشقاء في مصر..يتكلم بصراحة في الإعلام المصري وفي غرف المفاوضات عن الهواجس السودانية التي تستند على أدلة مادية . بصراحة..المثل الشعبي يقول (البيرقص ما بيغطي دقنو)..وبما أن إبراهيم غندور وزير خارجية سلاحه يكمن فقط في الدبلوماسية، عليه ألا يتأخر ويسافر إلى القاهرة بأعجل ما تيسر .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة