كنت أقرأ في تاريخ الصين، ومن ضمن ما قرأت؛ الثورات الصينية، وسقوط الإمبراطوريات. من إحدى هذه القصص، أن هناك ثورة فلاحية انتظمت أطراف إحدى تلك الممالك واستطاع القائد البطل الاستيلاء على السلطة. ويبدو أن صاحبنا قد صدق بأنه بطل، فقد بدأ في تنفيذ سياسات إصلاحية واسعة، فقام بتفتيت الملكية الزراعية وتوزيعها على الفلاحين، وتخفيض الضرائب والجبايات تجاههم.. توقفت عن القراءة مندهشا ومتسائلاً: كيف تركه الرأسماليون (الأرستقراط في ذلك الوقت) ليهدد مصالحهم؟ لم أكمل الفقرة التالية إلا وقرأت ما توقعته من تحالف الرأسماليين ضد هذا القائد المخدوع، فقاموا بدعم الفلاحين الذين كان البطل المخدوع يعمل على منحهم حقوقهم، فثار الفلاحون عليه، وزاد دعم الإقطاعيين لثورة الفلاحين، وهكذا وجد البطل محاصراً من الشعب الذي كان هو يدافع عنه. وتم شنقه. تساؤلي ودهشتي لأنني أعرف التاريخ الإنساني جيداً، ومن ثم أعرف أن هذا التاريخ لا يحفل بالمثالية كثيراً، قرأت التاريخ ولا أهتم بالتفاصيل، لأن التفاصيل يهملها التاريخ نفسه، بل يهتم فقط بالمشاهد المتكتلة، حيث تظهر صخرة التاريخ وهي تنحدر هاوية إلى ما لا نهاية، ساحقة معها التفاصيل. هناك عشرات الألوف من الثورات والحروب، يموت فيها الملايين، غير أن التاريخ لا يهتم. الجنود الذين يموتون لا يعرفهم أحد. ربما هم أبطال في نظر أهلهم، وذلك لنصف جيل واحد أو حتى جيل، ولكن لا أكثر. المغفلون النافعون هم الذين يسقطون أمام الصخرة المنجرفة، فتسوي ظهورهم بالأرض، تنفجر جماجمهم وعلى أصابع أكفهم الدامية بقايا سلاح. أما الأذكياء فهم الذين يقفزون فوق الصخرة ويحركون أقدامهم ليوازنوا ثباتهم فوقها وهي تنحدر. هؤلاء هم ملوك اللقطة الأخيرة. ولا عزاء للجثث. هذا هو التاريخ..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/09/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة