طار الرجل من جناح الطائرة وسقط من علٍ، وهو الذي خدم الإحتلال الأمريكي لسنوات. السبب بسيط جداً، وهو أن معالجة مشاكل الشعوب لا تتم عبر تدخلات أجنبية، لو كان ذلك ناجحاً، لما حدث ما حدث للعراق. بل على العكس، يعتبر التدخل الأمريكي في أي دولة أكبر عائق للدموقراطية، لأنه ينبني على الإجتباء والإصطفاء لمجموعة معينة، هي في الغالب لا تمثل كل الشعب، وهكذا تنعزل تلك المجموعة عن شعبها بسبب الخوف، أو تختار إثنية معينة، او تشتري بضعة آلاف من منطقة معينة (كما حدث في منطقة وسط وجنوب الخرطوم)، لتدعمها في لحظات الشدة بالهتافات. غير أن هذه كلها أشبه بالمخدرات، التي تخلق نشوة عابرة تتبعها انتكاسات مفضية إلى التفكك العصبي والنفسي. إن معالجة أزمات ومشاكل الشعوب لا يمكن أبداً أن تستورد من الخارج كما يتصور حمدوك، لأن الخارج لا يرى الصورة الكاملة، فيزيد الطين بلة. دعونا نسأل مثلاً عن لقاءات المبعوث الأمريكي بمجموعة من المدنيين واعتبارهم (في بيان السفارة) هم المجتمع المدني بالسودان بأسره. رغم أن هذا غير صحيح، وأمريكا تعلم أن هذا غير صحيح؛ فهناك مئات من المجتمعات المدنية، والتي يجب أن يكون لها تمثيل مستقر ودائم، وعندما تقوم السفارة الأمريكية باستبعاد كل هذه المجتمعات، واختيار مجموعة واحدة تابعة لها استخباراتياً، فهي في الواقع تخلق إنقساماً حاداً داخل المجتمع المدني (قومياً)، وأمريكا تعمل على تعزيز هذا الإنقسام، عندما تتجاهل، أن الإنتقال إلى المدنية الغرض الجوهري والأساسي منه هو غرض حقوقي. وأن التهميش والاستبعاد يعني إقصاء المساواة، وإقصاء المساواة يعني انعدام العدالة، وانعدام العدالة يعني الظلم، والظلم يفضي إلى المقاومة، والمقاومة تخلق العداءات والإنقسامات، والإنقسامات تهدد استقرار الدولة. لذلك نحن طالبنا حمدوك -ولا زلنا- بأن يكون قومي (التفكير)، غير أنه وللأسف يصر على تطبيق أجندة أمريكا الإقصائية، التي بلغت حتى عدم احترام حقوق أهل الشرق بحيث تطالب حمدوك بقمعهم وتطالب أهل الشرق بالتخلي عن حقوقهم. هذا لن يفضي لخير، ولا استقرار. وعلى حمدوك أن يفهم أن هذه الدولة لا يمكن لها أن تسير على هذا النحو الإقصائي، الذي أفضى إلى نهاية حكم البشير. يجب الاعتراف بحقوق الجميع، وكما قلنا من قبل، فلم يعد مقبولاً أن يشبع جزء صغير من هذا الشعب ويجوع الجزء الآخر، فإما أن يشبع الشعب (كله) أو يجوع (كله). ومن هنا كان على حمدوك دعم المؤتمرات التي تمت كلها لتوسعة مظلة إدارة الدولة، بل كان يجب عليه فوق هذا أن يستصحب مؤتمر شمبوب في كسلا، وجمع صف أهل الشرق بالتفاوض مع ترك. أما ما يفعله جداد قحط، من تشويه سمعة كل القوى السياسية من ترك ومناوي وجبريل والحلو بل وكل الغالبية من الشعوب المضطهدة شرقاً وشمالاً وجنوباً فهو دليل على أن جداد قحط إما أنه جاهل أو يسعى لتفتيت وتقسيم السودان بمساعدة حمدوك ودعمه لهذا التوجه نحو شيطنة الآخر، ومن هو الآخر؟ إنه ليس مجموعة الصحافات بل هو كل السودان، هم الغالبية، والتي لا يمكن العبور والانتصار إلا بمنحها حقوقها (كاملة مكملة). للأسف وقع حمدوك في ذات ما وقع فيه البشير، لكن وقعة حمدوك أخف قليلاً، ففي حين لم يجد البشير سوى ثلة ضخمة من أنصار الحركة الإسلامية فأودته أسفل سافلين، لم يجد حمدوك سوى ثلة قليلة من مطاريد الشيوعيين والبعثيين والجمهوريين، الذين لا يمثلون سوى أنفسهم، فهم حتى لا يمثلون أقاليمهم. فمن هي شلة حمدوك، إنهم لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، فكيف سيحدث تغيير دموقراطي وتحول إلى الحكم المدني في ظل كل هذه التشوهات في حركة حمدوك الداخلية؟ لن تستطيع أمريكا فرض الأمر الواقع بالقوة على الشعب، ولو نجحت في أي دولة أخرى، فأخرجوا لنا كتابكم لعلنا نكون من المهتدين. لذلك من الواجب اليوم، هو الاستماع إلى صوت الحق. وهو صوتنا نحن، وما نقوله لا يقوله غيرنا. لابد من العودة إلى الحوار الجامع، ويمكن الاستفادة من آليات الحوار الوطني الذي تم في عهد البشير بمحاكاته، أو تشذيبه، والإضافة إليه، وتحسينه. هذا أو الطوفان.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/08/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة