كنت قد كتبت في مقال الأمس عن الدراسة التي أعدها الباحثان الأمريكيان المرموقان، جون تيمن وجاكلين ولسون، عن أن العداء الأمريكي للسودان يصدر عن استراتيجية ثابتة تستهدف الدولة السودانية ولا تتعلق بالحكومة الحالية أو الحكومات السابقة لها وذلك على خلفية أن أمريكا وإسرائيل تعتبران الدولة السودانية (عفريتاً) خطيراً يمتلك من الإمكانات ما يؤهله ليلعب دوراً كبيراً على المستوى الإقليمي والدولي ولذلك ينبغي أن يُحبَس في قمقمه حتى لا ينطلق ويهدِّد مصالح أمريكا أو، كما قال وزير الأمن الإسرائيلي آفي ديختر، حتى لا يهدِّد الأمن القومي لإسرائيل . أقول إن المتتبع للعداء الأمريكي والإسرائيلي المستمر للسودان يلحظ أن الدولتين تنطلقان من استراتيجية واحدة في مواجهة السودان وقد تتبعت دراسة الباحثين القريبين من دوائر صنع القرار في الإدارة الأمريكية والكونغرس مسيرة السودان عبر التاريخ أو منذ عهد الفراعنة مروراً بالدولة المهدية ثم الحكم الحالي مستشهدة بطموح توسعي لا يفتر على مر العصور والأزمان. أقول كذلك إن أمريكا ربما لم تنسَ الموقف السوداني المتميِّز حول حربها على العراق بعد غزوه للكويت والذي دفع السودان ثمنه غالياً حينما خرج على روح القطيع التي ساقت أمريكا بها العرب نحو الإضرار بمصالحهم مما أثبتت الأيام صحته بعد فوات الأوان. لم تنس الدراسة كذلك الموقع الجغرافي المتميز للسودان حيث قالت إنه: (يقع في الفاصل الديني الحاسم بين إفريقيا المسلمة الشمالية وإفريقيا الجنوبية المسيحية والوثنية وهو بوابة حتمية للديانتين شمالاً وجنوباً، علاوة على كونه عنصر جذب مهم لقبائل غرب وشرق إفريقيا والتي اتخذته وطناً بديلاً منذ عهد بعيد مما شكل ممراً مهماً للأسلمة والتعريب في إفريقيا). أضافت الدراسة كذلك أن نظام الحكم (الإسلامي) الحالي في السودان، والذي وصفته بالمغامر، إذا امتلك القدرة الاقتصادية سيشكِّل تهديداً محتملاً للمصالح الأمريكية في المنطقة، وذلك يُفسِّر تعنُّت الإدارة الأمريكية وإصرارها على مواصلة فرض العقوبات على السودان، بل وإبقائه في قائمة الإرهاب بالرغم من أنه أبدى تعاوناً كبيراً مع الإدارة الأمريكية في حربها على الإرهاب فقد ظلت أمريكا تخادع السودان وتتنكر لعهودها فبالرغم من وعدها القاطع بدعم السودان ووقْف الحرب في دارفور إن هو اعترف بدولة جنوب السودان، إلا أنها زادت من وتيرة الحرب في دارفور وقامت بتسويق الأزمة بصورة مدهشة فاقت أزمات أخرى أكثر شراسة في مناطق أخرى من العالم وظلت تكيد للسودان وتتآمر عليه آناء الليل وأطراف النهار، فقد أشارت الدراسة إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية (استفاضت في شرح أوجه الحظر الاقتصادي على السودان في بند التعاملات المالية بأكثر مما فعلت مع كل الدول الأخرى). بما فيها كوريا الشمالية وإيران التي انكشف مؤخراً أمر العلاقة السرية التي كانت قائمة بينها وبين الإدارة الأمريكية وتمكنت الإدارة الأمريكية من تعطيل مشاريع حيوية للسودان حيث أخرجت قطاع التعليم العالي والفني من اللحاق بركب التطور التقني كما عطَّلت مشروعات الطاقة ودمَّرت قطاع النقل الحديدي الرخيص بفوائده الاقتصادية لصغار المنتجين. آخر ما تفتَّقت عنه حيل وأساليب العداء الأمريكي للسودان تلك المحاولة الأثيمة، من خلال مجلس الأمن، لمنع تصدير الذهب بحجة أنه يُستغل في (تأجيج الحرب الأهلية في السودان) ولولا الفيتو الروسي لربما تمكنت من إنفاذ مؤامرتها الجديدة. المهم فإن أمريكا وإسرائيل ظلًّتا تضعان السودان نصب أعينهما تكبيلاً له في إطار استراتيجية لم تتغير ولم تتبدل وليست متعلقة بحكومة دون أخرى وإنما هي سياسة ثابتة تهدف إلى تعويق الدولة السودانية وتكبيلها باعتبارها تشكل خطراً إستراتيجياً وأمنياً دائماً على المصالح الأمريكية. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة