أثار التعذيب الجسدية والنفسية التي أحدثها جهاز الأمن والمخابرات السوداني وشهادات حية للضحايا من واقع ملفات مركز النديم 3 ترك التعذيب فيما تركه علي السودانيين المذبين آثارا"جسدية بعضها أمكن علاجه ، وبعضها بقيت آثاره وبصماته ، علي ضحايا التعذيب لا تزول . فضحايا التعذيب في السجون والمعتقلات السودانية ، تعرضوا لأنواع من الأضرار لا تقل خطرا" ولا أثرا" ، عن أضرار جسدية أخري يتعرض لهل الجنود المقاتلون في الحروب . ومن هذه الآثار الجسدية التي لقيها المعذبون : الكسور شملت كسورا بالذراعين أو الساقين ، أو الأصابع ، أو الضلوع . فقدت أحدي السيدات جزءا" كبيرا من عظمة الساق والقدم بعد استئصال الأجزآء المتفتتة من العظام ، فأصبحت الساق أقصر بمقدار 30 سم تقريبا ، عن الساق اليمني ، واتصلت القدم بأعلي الساق من خلال عضلات فقط ، .كسور بالأصابع ، كسور وصلت في أحدي الحالات الي بتر أحدي السلاميات الطرفية ـكسور بالمفاصل ، سواء بمفصل الركبة ، أو المرفق أو الكتف . كسور بالحوض ،نتج عنها في أحد الحالات ، تمزق المجري الخارجي للبول ، مما استدعي التدخل الجراحي أكثر من شلاث مرات ، لتوصيل مجري البول . ـ كسور متفرقة : في عظام الترقوة والفك ،والأسنان ، والحاجز الأنفي ، أضافة ألي عنف أدي الي انزلاق غضروفي ، في فقرة أو أكثر من فقرات العمود الفقرى . أصابات الجهاز البولي : تضمنت التهابات مزمنة في الجهاز البولي ، وضعفا" في العضلة القابضة للمثانة ، مما تسبب في فقدان القدرة علي التحكم في عملية التبول . كما وجدت حالات التهابات متكررة ومزمنة بالجهاز البولي ، نتيجة التعذيب بادخال قضيب معدني في مجري البول . وقد أصيب أحد اللاجئين بفشل كلوي بسبب الوقوف في الشمس منذ الصباح وحتي الغروب ـ كما أصيب الكثيرون بحصوات متباينة الاحجام في الكلية ، يرجح أن سببها الحرمان من المياه ـ وفي أحدي الحالات أصيبت الكليتان بحصوات متشعبة ، بلغ حجمها حجم الكلية ذاتها ، وتم استئصال أحدي الكليتين . وأصبحت حياة المصاب مهددة بسبب أصابة الكلية الشانية . .. أصابات الجهاز التناسلي : التهابات بالخصيتين ، أو ضمور بالخصيتين . ـ فتق أربي . حالات أجهاض لنساء تعرضن للتعذيب أشناء الحمل ـ حرق النسآء في الأعضآء التناسلية الخارجية . ـ أصابات بأمراض تناسلية . ــ حمل نتيجة للأغتصاب .( حالات متكررة ) ... أصابات الجهاز الهضمي : ـ التهابات وقرح بالمعدة والأثناعشر ــأضطرابات الهضم والأخراج نتيجة الأغتصاب بجسم صلب . وقد أصيب عدد من الضحايا بشرخ ، أو بناسور شرجي ، واستدعي كلاهما التدخل الجراحي . ــ أصابات الجهاز التنفسي : ألتهاب في الشعب الهوائية والرئتين ، ، وازمات ربوية مزمنة ،نتيجة للأجبار علي استنشاق مواد مهيجة للأغشية المخاطية للجهاز التنفسي ، أو لسوء الأوضاع الصحية بأماكن الأحتجاز . ــ أصابات العيون : التهابات الملتحمة ، وضعف الأبصار ،وفقد ألأبصار في بعض الحالات . ــ أصابات الجهاز الدوري : ارتفاع ضغط الدم ، أو اختلال ضربات القلب أو أصابات بالشريان التاجي ، وتدهور حالات المصابين بامراض القلب ، الي حد فشل عضلة القلب . ــ ـ أصابات الجهاز العصبي : شلل أو ضعف بعضلات أحد الذراعين ، أو كليهما ، مع تأثر الأعصاب الطرفية ، ، بصورة تصل الي ضمور بعضلات الطرف المصاب ، نتيجة لتهتك بأحد الضفيرتين العصبيتين ، ، أو كليهما ، وذلك نتاج للتعليق من الذراعين . ـــ صداع نصفي ، أو جبهي ، أو بكل الرأس . ـ :نوبات صرعية كبري نتيجة أصابة مباشرة علي الرأس . ــأنزلاق غضروفي . ـــاصابات العضلات : ضمور العضلات ، نتيجة أصابة الأعصاب المغذية ( التعليق ) ـ ضمور وتيبس في العضلات والمفاصل ( في الحالات التي تم تعذيبها بتقييدها بالحبال ، في وضع مشابه لوضع التعذيب في صناديق ضيقة ) ــ أصابات الأذن : ــ ضعف أو فقدان السمع . تهتك طبلة الأذن ، نتيجة للضرب المباشر علي الأذن . ـــ خلل في وظائف الغدد والهرمونات : تضخم في الغدة الدرقية . مرض البول السكري ـأضطراب بهرمونات المبيضين . ــ أصابات الجلد : ــ أمراض جلدية مزمنة بسبب سوء أماكن الأحتجاز ، والحرمان من الأستحمام أو عدم تغيير الملابس ، ونتيجة لتكدس المحتجزين ، وسوء الرعاية الطبية للمصابين منهم .ـــ حروق وتقيحات مختلفة العدد والحجم ، نتيجة الحرق بالسجائر المشتعلة ، أو قطع الحديد الساخنة ، أو بالبلاستيك المنصهر ، أو باشعال النار بعد سكب مواد قابلة للاشتعال ـــ جروح قطعية وتهتكية نتيجة الضرب بآلات حادة أو بالعصي ، وعادة ما تحدث التهابات ثانوية نتيجة انعدام الرعاية الطبية . ــ أصابات بالأمرلض الجلدية المعدية والمزمنة ( عصية علي الشفآء ) . ــاالصلع نتيجة لتشويه فروة الرأس بقطع الزجاج ، أو المواد الكيمائية الحارقة أو كلتا الوسيلتين ( حدث لسيدتين ) . تري ما الذي بقي من أجساد المعذبين في سجون السودان ومعتقلاته ، ولم تصبه آشار التعذيب العارضة حينا ، والدائمة في كثير من الأحيان ؟! الآشار النفسية للتعذيب ألآم الخبرة واستعادتها : من الملاحظ أن ضحايا العنف قد يعيشون بدون أعراض أو شكاوي لعدة أشهر أو سنوات ، تكون خلالها المشاعر المؤلمة محل أنكار أو كبت عنيفين . ومن السهل أن يفترض المشاهد عن بعد ، أن غياب الأعراض يعني غياب المعاناة . لكن هذه ألأعراض ، من المرجح ظهورها في المدي المتوسط أو البعيد ، حين يستعاد نسيج شبكة العلاقات الأنسانية جزئيا ويبدأ الأنسان الضحية محاولاته للتأقلم مع واقع جديد ، أكثر أمنا" ، لكنه في الوقت نفسه غريب وغير مألوف . . أن وصف خبرة القمع والخوف والهروب خاصة خبرة التعذيب ، أو الحديث عنها ، يتطلب ضرورة استرجاع الموقف ذاته ،بكل ما يحمل من ذكريات تفوق في الآمها طاقة التحمل البشرى ، ويكون الأحجام عن تناول الموضوع ، هو رد الفعل الطبيعي لكل من الضحايا والعاملين في هذا المجال علي حد السوآء . . ويمكننا دون أن نقع في خطأ التبسيط المخل ، تقسيم التقنيات المستخدمة في التعذيب الي قسمين أساسيين 1 ـ تقنيات أضعاف الضحية : وتهدف الي خلق حالة من الأرهاق الشديد ، والخوف والقلق غير المحتمل . كما تهدف الي أيصال الضحية الي فقدان أي أمل أوأيمان ، باحتمال تحول الموقف الي الأفضل . وينتج عن هذا تدمير طرق التأقلم البيولوجية والنفسية للضحية . وهكذا يتولد الشعور بالأنكسار أمام قوة وجبروت السلطة ، ويبدأ الضحية بالتسليم بأنه ضعيف أمام قوة وجبروت السلطة ، ؤيبدأ الضحية بالتسليم بأنه ضعيف أمام خصم جبار لا يمكن مجابهته ، أو الصمود أمامه بل لا مفر من الأعتماد عليه نفسيا وبيولوجيا" .وبعد أن يكون الجلاد قد أوصل الضحية الي هذه المرحلة من الضعف الشديد والانكسار والأعتمادية ، فانه ينتقل الي هدفه النالي ، وهو تدمير الضحية من خلال أشعار صاحبها بأنه أنسان تافه ، لا يساوي شيئا" ، وأن أصدقاءء ورفاقه سيعتبرونه خائنا" وجبانا ، ولن ينال منهم أي احترام او ثقة بعد ذلك . ..2 ــ تقنيات تحطيم الشخصية : وتستهدف خلق حالة من الصراع الداخلي ، وما يصاحبه من قلق مدمر ، وأحساس بالذنب والعار ، وفقدان الثقة بالذات ، والأحساس بالتناقض ، وتشويه الأدراك الذاتي للضحية ، من حيث وعيها بنفسها ككيان له كليته ، ووجوده المستقل ، وبالتالي تنضب موارده الداخلية النفسية التي تساعده علي مواجهة الخطر الخارجي . أن التدمير النفسي والعقلي الناتج عن التعذيب لا يرجع فقط الي الألم الجسماني في حد ذاته . وقد عبر أحد الضحايا عن ذلك قائلا: أنا لم أهتم كثيرا" بالألم الناتج عن الضرب والتعليق ، أنما الصراخ الصادر من الغرفة الأخري هو ما لم أنمكن من أحتماله . أن أيا من الأمراض التي تتسبب في ألام شديدة ، لا تحدث أعراضا كتلك التي نلاحظها من ضحايا التعذيب ، كما لا نلاحظ هذه الأعراض أيضا علي ضحايا الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وغيرها ، وذلك علي الرغم مما تحدثه من دمار ، وفقدان للكثير من الأرواح . أن هذه الكوارث ، وأن كان من الممكن أن ينتج عنها أضطرابات نفسية وجسدية حادة ، هي في النهاية أمور قابلة للاستيعاب والتحليل والفهم بواسطة العقل البشري ، وذلك علي عكس ما يحدث في موقف التعذيب ، حيث يستحيل علي الأنسان المعذب فهم الموقف ، أو أستيعابه ، أو التفاعل معه . ولكي نستوعب العواقب النفسية للتعذيب، يجب أن نفهم طبيعة الصدمة التي يسببها التعذيب . لقد مر ضحية التعذيب بتجربة شديدة التطرف، جعلته في وضع يمثل أقصي درجات العجز . فهو غير قادر علي تجنبه أو الهروب منه أنه تحت السيطرة الكاملة والمطلقة للقائم علي تعذيبه ولا مفر أمامه البتة . الأعراض الاكلينيكية : تحدثنا عن الديناميكيات التي ينتجها موقف التعذيب ، وتتبدي هذه الديناميكيات في أعراض نفسية وجسدية ، عادة ما تلازم ضحية التعذيب لفترات طويلة ، وأحيانا لمعظم سنوات حياته . ويمكننا تقسيم هذه هذه الأعراض الي أربعة أقسام رئيسية : اعراض نفس \جسدية : وهي الأعراض الأكثر شيوعا لدي ضحايا التعذيب . : وتشمل الصداع المزمن ، وفقدان الشهية ، وضعف الرغبة الجنسية ، والأرق ، والآم العظام والعضلات ، وأضطرابات المعدة والجهاز الهضمي ، واضطرابات القلب ، وضغط الدم ، واضطرابات الجهاز البولي والتناسلي ، وأضطرابات الغدد الصمآء ..الخ أضطرابات سلوكية : وتتضمن تغيرات في السمات الشخصية ، مثل أدمان العقاقير والكحول ، والعزلة ، والأحساس بالعجز ، وضعف الثقة بالنفس ، واعتمادية ، وضعف القدرة علي المبادرة ، وعدم المبالاة ،والمراوغة ، والأندفاع ، والوسوسة وقد تتبدل شخصية الأنسان تماما"، فيصبح عصبيأ" سريع الأنفعال والتوتر . ..أضطرابات وجدانية وعقلية : واكثرشيوعا"والأكثر شيوعا" في هذه الأضطرابات هو الأكتئاب المزمن . . وةيعبر عنه في صورة عدم للقدرة علي الأستمتاع ، والرغبة في الموت ، والبشعور بالذنب ، وأفكار أنتحارية ، والشعور بالذنب ، والأحساس بالعجز واليأس ، واضطرابات النوم شاملة الكوابيس ،واضطرابات الذاكرة . وقد يفقد الأنسان مشاعره نحو أقرب الناس اليه ، ويشعر بالأغتراب في منزله ، ومع أفراد أسرته وأصدقائه . الأعراض النفسية للأغتصاب : من المسلم به أن الأهانة النفسية ، والتدمير البشع للكرامة ، هو المستهدف من وراء هذه الوسيلة الوضيعة . ففي كل الحالات التي تعامل معها مركز النديم كان الأغتصاب بوسائله المتعددة ، أكثر الموضوعات حساسية وصعوبة في عملية التأهيل النفسي ، لما ينتج عنه من شعور بالدمار النفسى ، والأهانة ، والخجل ، والشعور بالذنب ، فهي مشاعر كثيرا ما تدفع بالضحايا الي تجنب الأختلاط بالمجتمع ، وفرض العزلة التامة علي النفس . وكثيرون من الضحايا لم يتطرقوا لهذا الأمر ، أثناء تعاملهم مع الأطبآء لفترات طويلة ، قد تصل الي عدة أشهر ، حيث البعض لم يستطع الحديث عما تعرض له ، وفضل كتابتها في الرسائل المطوية للطبيب . أن صورة المشهد المؤلم للاغتصاب تظل تطارد الضحية في يقظته ، وفي نومه . وقد تتسبب له نوبات استرجاعية عنيفة ، عند رؤية أي مشهد له علاقة قريب أو من بعيد بهذا الحدث . وقد يحدث ذلك أيضا أثناء ممارسة العلاقة الزوجية ، فتستحيل العلاقة وتتعقد مما يضاعف من أحساس ضحية التعذيب بالعجز وبالذنب معا " . ويتفاقم الشعور بالذنب علي وجه الخصوص لدي النساء ، لانهن يشعرن بأنهن فشلن في صون أنفسهن ، أوأنهن خذلن أسرهن وعشيرتهن ، لكونهن أصبحن موضوعا مارس فيه الأعدآء انتقامهم وانتصارهم . ومن ثم تفقد النساء الثقة بأنفسهن وبالآخرين ، وصرن يتقززن من اجسادهن ، ويرفضن ، بل وأحيانا يخشين أي علافات جنسية لاحقة ،حيث يتملكهن أحساس بأنهن مشوهات وموصومات ، وأن ذلك هو رأي الآخرين فيهن ، ولا أمل في أصلاح مثل هذه الصورة ومما يزيد من صعوبة العواقب النفسية للأغتصاب، أن الضحاتا لا يستطيعون الأعلان عنه بسهولة ، لأنه يعتبر أمرأ" مخزيا" من الناحية الأجتماعية ، حتي ولو تم بين جدران الزنازين . وفي حالة النساء قد يحملهن المجتمع مسئولية ما حدث ، ومثم تمثل خبرة الأغتصاب بالنسبة للاجئات صدمة مضاعفة ، حيث يصبحن ضحايا مرتين ، ضحايا المغتصب ، وضحايا المجتمع الذي لم يكتف بأنه عجز عن حمايتهن ، بل بخل عليهن بالتعاطف ، وتقديم المساعدة واستقبلهن بالعدوانية والرفض . وينعكس كل ما سبق من شكاوي ضحايا الغتصاب ومعاناتهم التي تتضمن ، علي سبيل المثال لا الحصر : أضطرابات النوم ، والكوابيس ، وتغيرات في مزن الجسم ، واضطراب شديد في الشهية ،وتخدر لإي المشاعر ، والشعور بالاكتئاب ، وتفضيل العزلة الأجتماعية ، وتجنب الآخرين ، وكذلك تجنب المشاعر العميقة، والخوف من الناس ، وخصوصا الغربآء وممارسة العنف مع الأطفال ووجود أفكار ومحاولات أنتحارية متعددة ، وتمني الموت ، والأهمال الشديد في المظهر والصحة العامة ،أضافة الي أعراض جسمانية متعددة . الأضطرابات النفسية المترتبة علي التعذيب : الأكتئاب متعدد الدرجات ،وقد يصل بالمكتئب الي الرغبة في الأنتحار ، أو أن ينعزل تماما" كضحية للتعذيب ، عن كل محيطه الأجتماعي ، حيث يتملكه شعور بفقدان الأمل نهائيا في المستقبل ، وأستحالة الأنتظام في زواج أو عمل ، أو عملية تعليمية ..الخ أضطرابات دائمة في الشخصية : ــ أضطرابات ذهانية ( عقلية ) متعددة الدرجات والأنواع . أضطرابات النوم والكوابيس المزعجة ، المرتبطة بأحداث التعذيب ، أو بخبرات التعرض للعنف . ــــ أضطرابات الشهية ، وفقدان الرغبة في الحياة ، ومحاولات أالأنتحار . ـــ أضطراب كرب ما بعد صدمة ، حيث يعيش الأنسان نوبات استرجاعية مؤلمة ، يعيش فيها أحداث التعذيب بتفاصيلها ، وكأنها تحدث من جديد ، مما يعود بالأنسان الي الحالة النفسية المصاحبة لعملية التعذيب . وقد يحدث ذلك في أشناء اليقظة أو النوم ، وقد تكون مصحوبة بهلاوس سمعية أو بصرية أو كليهما . كما تتحكم في الأنسان كوابيس مزعجة بنفس المستوى ، تؤدي الي الأستيقاظ المتكرر من النوم ، في حالة من الفزع . والأصابة بهذا الأضطراب قد تدفع الانسان لأن يتجنب التفكير في حدث التعذيب ، ويعزف عن التحدث عنه ، بل أنه يسعي الي الأبتعاد عن كل ما يذكره به ، سوآء كان ذلك متمثلتا" في أماكن معينة ، أو أشخاص ، أو جنسيات ، أو أنشطة بعينها . وقد يصل الأمرالي فقدان القدرة علي تذكر أي تفاصيل متعلقة بأحداث التعذيب . وهو آلية دفاعية تستخدمها النفس ، حين تكون الذكري شديدة الألم ، بدرجة تهدد بالأنهيار العصبي للأنسان .ــــتغيرات في السلوك والمشاعر : مثل نوبات التوتر ، ، أو الغضب بدون سبب أو لأسباب بسيطة لا متناسبة مع رد الفعل ، أو الأنفعال بدون داع أو ضعف الذاكرة ، أو الشعور بصعوبة في التركيز صعوبات التأهيل : من كل ما سبق وصفه ، يمكننا أن نتصور حجم المعاناة ، وقسوة الذكريات التي يحملها اللاجئ الهارب .يضاف الي ذلك الصعوبات التي يواجهها المعالج ، فضحايآه ، ليسوا حالات طبية أو مرضية يمكن وصفها وفقا" للمشاهدات الطبية والنفسية الخاصة بها ، أو تصنيفها ووفقا" للتصنيفات النفسية المعتادة للأمراض . ذلك أنهم يكونون في حالة من التمزق والتفتت ، وفقدان الذات ككل متكامل ، كما عبر أحد الضحايا عندما وصف نفسه بأنه كوب زجاج مهشم الي قطع صغيرة ويشعر بأنه فقد كليته وكينونته كأنسان . وعندما يصل أنسان الي هذا الحد من التفتت ، يصبح الأمل الوحيد لديه هو الموت أو التلاشي من هذا الوجود . وكما أن تصنيف ضحايا القمع والتعذيب وفقا" للتصنيفات المرضية المعروفة أمر صعب ، وغير دقيق ، فأن المهمة العلاجية لا تقل صعوبة في تعقيدها ، وعدم تقليديتها. فهي لا تهدف بالأساس الي التقليل من ألام الضحية وحسب، بل تهدف أيضا" الي أنقاذه من التلاشي ، وتجميع شتاته ككيان أنساني كامل ومتحد ، وحمايته من المؤثرات من خارج ذاته أو من داخلها . وتأتي صعوبة الموقف وتعقيده ، من كون التعذيب شكلا" من أشكال العنف المقصود والمنظم ، الذي يعيش الضحية خبرته بكل وعي ، دون أن يمتلك أي قدرة علي التحكم فيه ، أو التعرف علي مداه النوعي أو الزمني ، ولايمكنه أن يتوقع نتيجة أي أستجابة من جانبه ، أو رد فعل هذه الأستجابة علي معذبيه ، فيقع بالضرورة في حالة من الأستحالة ، وعدم المنطقية النفسية . لذلك تتضمن عملية التعذيب ، وتهدف الي ألغآء الحد المطلق من حرية الضحية وارادته ، وبالتالي من قدرته علي السيطرة علي جسده وعقله ،بل انها تهيئه بالغآء ذاته كأنسان ، وتحوله الي مجرد موضوع للتعذيب . وتصبح الذات الوحيدة القادرة علي الفعل هي ذات الجلاد ، والسلطة التي يمثلها ، ويمارس التعذيب بأسمها . وهنا يكمن مغزي التعذيب ، وسر قوته كأداة للقمع والتحكم . فمن خلال السيطرة ة الكاملة علي جسد الضحية ، كجزء من ادراكه لذاته ، يتم السيطرة علي روحه وعقله ، وتشويههمابما يتلاءم وأغراض السلطة ومصالحها ...
يتبع شهادات حية لضحايا التعذيب بواسطةجهاز الأمن والمخابرات السوداني أعداد هلال زاهر الساداتي 3
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة