في البلاغات الشخصية،وخاصة المتعلقة بالشيكات أو المعاملات التجارية،تظهر من حين لآخر إعلانات صحفية يوقعها وكيل النيابة،موجهة للمشكو ضده ومفادها أنك يا فلان متهم في البلاغ رقم كذا وتحت المواد كذا وكذا،وأن هنالك ما أقنعني بأنك تخفي نفسك،وبهذا أطلب منك تقسيم نفسك لأقرب مركز شرطة،ويطلب الإعلان من الجمهور المساعدة في قبض المتهم. وغالباً ما يدفع الشاكي ثمن الإعلان،مهما كلف، فالإعلان في حد ذاته يقضي على الأعمال التجارية للمشكو ضده،ولا يعرف القارئ بعد ذلك هل تم القبض على صاحب الصورة المنشورة في الإعلان أم لا،وإن خرج بريئاً فمن سيعوض سمعته التي تعرضت للاهتزاز؟! تذكرت هذه الإعلانات وأنا أطالع في تقرير المراجع العام لولاية الخرطوم،عن عشرات الأسماء التي رصدها التقرير في مسألة الفساد ونهب المال العام،وفيهم مدراء بالوزارات،ومسؤولين في الادارات المالية،ومقاولين وغيرهم،وجلهم إن لم يكونوا كلهم من منسوبي المؤتمر الوطني. ولكن تلك الأسماء تقبع بين صفحات تقرير لا يتم توزيعه للجمهور،وإن عرض على المجلس التشريعي بالخرطوم،فإنه يكون مختصراً وبدون تفاصيل،ويمر مرور الكرام لأن(الزيت في البيت). ولو تكرم أي وطني شهم بنشر اعلانات مدفوعة القيمة تطلب من هؤلاء المسؤولين إرجاع المال العام الذي نهبوه،فإنه حتماً سيساق إلي السجن بتهمة التشهير،ولو حمل أي زول التقرير للنيابة لفتح بلاغ لقالوا له أن المشكو ضدهم من أصحاب الحصانات. ولو طلب من وزارة العدل أو النائب العام رفع الحصانة عن بعض المسؤولين الواردة أسماؤهم في التقرير،لقيل له أنك لست المتضرر،وبالتالي لا حق لك في الشكوى. ولو استأنف للمحاكم العليا وأثبت انه متضرر نظراً لأن المال العام المسروق كان يجب صرفه على الخدمات العامة للمواطنين،وأنه مواطن،وبالتالي فهو متضرر،لو أثبت ذلك بعد عمر طويل،فإن رفع الحصانات سيكون يوم القيامة العصر وبالتالي ليست هنالك قضية ولا يحزنون. المليارات من الجنيهات تسرق كل عام من الخزينة العامة،دون أن يتم استردادها،ونتيجة هذه السرقة العجز الواضح ما بين النفقات والايرادات،والحكومة تغطي العجز بطبع النقود الإضافية،وهذا يؤدي لانهيار سعر الجنيه،وإن لم تطبع الحكومة القروش استدانت من الخارج بفوائد عالية،وعجزت عن التسديد لاحقاً فاضطرت للتنازل عن الأراضي والمصانع لفائدة الدائنين،أنظر كم هي خطورة الفساد وسرقة الأموال العامة،ولكن تبقى الأمور كما هي لأن منظومة الفساد تحت الحماية الرسمية. أما أين يذهب المسروق من المال العام،فانظر للشركات والبنايات الفخمة،واسأل عن ملاكها فتجدهم من موظفي الدولة ذوي الولاء للحزب الحاكم،واسأل عن مركز الحزب الحاكم وبنيانه العالي في مكان النادي الكاثوليكي القديم،ولا تصدق أن التكلفة من تبرعات الأعضاء واشتراكاتهم،بل فتش في وثائق أخرى فربما ينكشف المستور..ويصيح أحدهم(أنا ما عيان جيبو لي بخور)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة