قبل سنوات طويلة كاد لساني أن ينعقد وأنا أنظر إلى شاب يتحدث العربية وهو في كامل هندامه العسكري ..سبب الدهشة انني كنت أقيم وقتها في الولايات المتحدة الامريكية في مناخ ما بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١..في ذاك اليوم كنت أشاطر زميلاً لبنانياً من الطائفة الدرزية العمل في مكتب واحد..مروان الدرزي كان فخوراً بأصوله العربية ومتمسكاً بأهداب الإسلام..لم يكن العسكري الزائر سوى شقيقه الأصغر ..بعد أن انصرف الضيف، شرح لى زميلي الفوائد الجمة التي يجنيها شقيقه الذي انضم لجيش الاحتياط الأمريكي..من بين تلك المزايا، أن التدريب بدوام جزئي ..وأن المجند يحظى بتسهيلات في التعليم الجامعي، وتمييز إيجابي في التوظيف، باعتباره من الذين أدوا الواجب. بالأمس صدرت مراسيم رئاسية قضت بأيلولة الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية للجيش السوداني ..بعد تلك القرارات الموفقة، صارت هذه القوات العسكرية تتبع لهيئة الأركان، ويشرف وزير الدفاع على أدائها ..بل بات وزير الدفاع هو المخول له اختيار المنسق العام لهذه القوات..ومن قبل كان هذا الاختصاص معقوداً لرئيس الجمهورية..ما حدث للدفاع الشعبي، شمل الخدمة الوطنية وصندوق الخدمات الطبية..كانت هذه القوات من قبل تتبع لرئيس الجمهورية، حسب إفادة منسق الخدمة الوطنية للزميلة السوداني. بالطبع هذه التطورات الإيجابية المحدودة، جاءت تمشياً مع مخرجات الحوار الوطني التي حصرت القوات النظامية في الجيش والشرطة والأمن..قبل أيام صدر مرسوم آخر وفي اتجاه مغاير جعل هيئة التصنيع الحربي تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية..لكن في تقديري أن تغيير العنوان ليس كافياً في حالة الدفاع الشعبي..بل من المطلوب إجراءات أخرى أكثر جرأة تجعل قوات الإسناد هذه تحت مظلة القوات المسلحة بشكل كامل. بعد أن غادر الأستاذ ياسر عثمان سليمان،منسق الخدمة الوطنية مبنى المجلس الوطني، أكد أن الاتجاهات الجديدة تم التوافق عليها بالكامل ..وأن النتيجة حسب المنسق ستجعل تهمة تبعية هذه المؤسسات للنظام ستتلاشى..هذا مضمون حديث المنسق المدني لقوات الخدمة الوطنية..الخطوة الأولى تكمن في تغيير اسم الدفاع الشعبي ودمجه في الخدمة الوطنية تحت لافتة قوات الاحتياط..الخطوة الثانية تقتضي إلغاء منصب المنسق والذي شغله من قبل الأستاذ علي كرتي..هذه الوظيفة المدنية يجب ألا تكون موجودة في المستقبل ويتم الاكتفاء بالقيادة العسكرية .. الأهم من ذلك أن تفتح هذه المؤسسات لجميع أبناء السودان. في تقديري أن مؤسسة الدفاع الشعبي قد أدت دورها بالكامل ..لأسباب كثيرة قد تجاوزها الزمن والتطور السياسي ليس بإمكانها أن تفعل المزيد..تلك القوات جاءت في ظروف معقدة وحساسة وكانت تستجيب للنفرة عند المخاطر .. بعد ثلاث عقود لزم وجود مؤسسات ثابتة وراسخة..كما لا ينكر إلا مكابر أن تلك القوات الشعبية كانت لها حمولة سياسية عالية..لهذا الوقت مناسب لطرح أسئلة حول جدوى وجود هذه القوات في المستقبل ..وقد ثبت أن تجييش كل الناس ليس فكرة جيدة في مناخ مضطرب كحال بلدنا الحبيب. بصراحة أن الوقت لتسريح تلك القوات ..بل إن الوقت مناسب أن يفتح الوطن أبوابه بسعة تمكن جميع القادرين على تحمل أعباء الدفاع عن مقدراته..حل الدفاع الشعبي ليس من باب المزايدة السياسية بل مؤشر لمرحلة جديدة. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة