كان شعوراً غريباً.. فالأشخاص الأربعة في محطة القطار الخلوية كانت عيونهم عندي حين وصلت إلى هناك.. صاحب المقهى والصبي.. وبائعة الفول تحت الشجرة وبائع التذاكر الذي يج" />
انس كاتب مع قرائه بقلم إسحق فضل الله انس كاتب مع قرائه بقلم إسحق فضل الله
> كان شعوراً غريباً.. فالأشخاص الأربعة في محطة القطار الخلوية كانت عيونهم عندي حين وصلت إلى هناك.. صاحب المقهى والصبي.. وبائعة الفول تحت الشجرة وبائع التذاكر الذي يجلس خلف نافذة صغيرة
> جلست > والمقعد نظيف ولأنه لا شيء يجذب العيون فقد لاحظت أن كل شيء نظيف وأن صاحب المقهى والصبي والمرأة كل منهم قد اهتم بغسل ملابسه جيداً.. وأن المكان لامع > العيون كانت تتابعني من تحت الرموش.. لكن عيون بائع التذاكر كانت عندي مباشرة.. وبعد التحديق الرجل اعتدل في جلسته كأنه يعلن نشاطاً للعمل وأعاد تصويب دفتر التذاكر أمامه وعيونه عندي > حين بقيت جالساً وجدت الرجل يحمل دفتر التذاكر ويجلس أمامي على المائدة ذاتها > حدق في وجهي ثم قال في خفوت : إذن فهو أنت > قلت: ماذا..!! > قال: أنا وأهلي في البيت الآن وصاحب المقهى هذا والمرأة والولد كنا ننتظرك منذ زمان > قلت في دهشة.. تنتظروني؟؟ أنا؟! > كيف.. وأنتم لا تعرفونني و؟ > قال: الآن نعرفك > بقيت صامتاً.. والرجل بالهمس البطيء عاد يقول كأنه أدرك شيئاً أخيراً : إذن.. أنت هو الرجل > قلت: أي رجل؟ > قال كأنه يستنكر سؤالي : الرجل الذي سوف أبيع له أنا آخر تذكرة في حياتي > قلت: آخر تذكرة ؟! > قال: منذ زمان ونحن نتخيل كل أنواع البشر لنعرف من هو الشخص الذي أبيع له آخر تذكرة في حياتي.. في حياتي كلها > أدار عيونه في المكان الصامت النظيف ثم قال : ألا ترى أنهم كانوا ينتظرونك؟! .. ينظفون كل شيء منذ أمس وينتظرونك > الثلاثة الآخرون.. الرجل والصبي والمرأة كانوا يتابعون حديثنا من مكان جلوسهم.. صامتين.. قال بائع التذاكر : في البيت أيضاً ظلوا منذ أمس يقومون بالتنظيف والحديث عنك.. يتبادلون التصور عن .. من تكون.. وأين أنت الآن > صاحب المقهى جاء بالقهوة وجلس.. والمرأة اقتربت والصبي اقترب وجلس على الأرض > قال: في البيت ينتظرونني الآن لأدخل عليهم لآخر مرة عائداً من الشغل.. ولأحدثهم عنك > أخذ يتحدث وكأنه يحدث خيوط الشمس التي مالت إلى المغيب.. بعد لحظات كان ما يغطي كل شيء هو رائحة البيت وليس رائحة المقهى وهو يحدث عن زوجته والبنت والولد الصغير وكرسيه القديم والقميص القديم .. يحدث.. ويحدث > كنا ننصت في استغراق وهو يقص حكاية حياته كلها.. بهدوء ورقة > قطار الساعة السادسة توقف ثم تحرك ولم يلتفت إليه أحد > حتى دفتر التذاكر كان مستغرقاً في الاستماع والرجل بائع التذاكر يقص .. ويقص *** السيد القارئ السيد رئيس التحرير السياسة هي بيتي وبيتك .. وأسرتي وأسرتك.. وهي أن نبعد عيوننا ساعة عن تذاكر السفر.. وأن نستمع في استغراق.. ساعة أو ساعتين.. لحديث مثل الحديث المتنهد في مقهى خلوي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة