ذكر محمود محمد طه في حديث له مع باحثة الدكتوراه السابقة بجامعة الخرطوم الأستاذة هود جكنز أنه لم يقرأ لابن عربي الحاتمي الأندلسي شيئا. وزعم أن ما جاء به جديد كل الجدة، وأنه لم يسبقه به أحد من العالمين، بما في ذلك ابن عربي! وقد سألته تلك الباحثة المتمرسة في دراسة التصوف قائلة: " من هم المفكرون الذين تأثرت بهم في تطوير أفكارك"؟ وأجابها قائلا: " في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعنى الذي كان لهم أثر علي حياتي. ولكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي.. والغزالي.. فلقد اتبعت المنهاج، وقرأت شيئا قليلا؛ شذرات من هنا وهناك، ولهذا لا أقول بتلمذتي علي مفكر معين". فهو في جوابه هذا المترفع قد وضع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا حامد الغزالي في صف واحد وكأنهما صنوان متعادلان! وهذا أمر عُجاب حتى من ناحية المنهج؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم رسول جاء بالدين من عند الله تعالى، وكلمته ملزمة للمسلمين، وتبقى حجة في حدِّ ذاتها، وأما حجة الإسلام الإمام الغزالي فهو فيلسوف، وليس رسولا، فكيف بعد ذلك يستويان معا وكأنهما ندَّان؟! ثم لا يمكن قَبول تفرقة محمود بين المفكر وصاحب المنهج، وهي تفرقة معتسَفة، لم يعتن بتوضيح حدودها. ولذلك يمكن أن يسأل بإزاء هذه الضبابية غير المنهجية التي اتبعها في جوابه سؤالا منطقيا مزدوجا وهو: كيف يمكن أن يكون صاحب المنهج شخصا غير مفكر؟ وهل يمكن لمفكر أن يفكر من دون أن يكون متبعا أصلا لنهج معين في التفكير؟! ثم يُلاحظ خلل آخر في هذه الإجابة غير المحكمة، حيث زعم محمود أنه اتبع المنهج في حين لم يقرأ لصاحب المنهج إلا شيئا قليلا؛ أو غير شذرات متناثرة من هنا وهناك مما كتب أو قال! فكيف فهم المنهج من دون أن يستوعب محتواه جيدا، فهل هنالك منهج مجرد من غير محتوى؟! فإنه لا يمكن لقارئ أن يدعي أنه قد فهم المنهج الذي يسلكه فيلسوف أو مفكر أو كاتب أو مؤلف معين، حق الفهم، من دون أن يقرأ له آثارا كثيرة، لا مجرد شذرات قليلة! وحتى لو غضضنا النظر عن اهتزازات محمود في كذبه هذا، وصدقنا أنه قد اتبع منهج الإمام الغزالي، فإنه يكون قد اعترف بذلك - ولكن من دون أن يشعر أو يبتغي - بأنه شخص مقلد؛ وأنه يقلد فيلسوفا معينا؛ هو أبو حامد الغزالي، وأنه يتبع منهجه الفلسفي والصوفي. ومن اطلاعي على كتابات محمود محمد طه المتنوعة في زهاء الأربعين حولا التي خلت اتضح لي جليا أنه متأثر فعلا بسيدنا الإمام الغزالي، وأنه يتبعه؛ ولكن ليس في منهجه الديني الصحيح، وإنما في لغته وأسلوبه البياني التصويري فقط! وأما حمولة الأفكار التي بشر بها محمود محمد طه في كتبه فهي منتهبة بجملتها من تراث ابن عربي الحاتمي، وهو شخص لم يكن له أي منهج بحثي علمي على الإطلاق، وقد كان أقرب إلى الشاعر الحالم منه إلى المفكر الصارم! ولكي يخفي محمود محمد طه عمليات السطو الواسعة التي أغار بها على التراث الحاتمي فهو يصر على القول بأنه لم يطلع على كتابات ابن عربي! وهذا ما ردده في جوابه على الأستاذة هود جكنز؛ مع ملاحظة أنها لم تسأله عن ابن عربي تحديدا. فعندما رمت إليه سؤالا عمومي الطابع جاء فيه:" هل قرأت لمفكرين إسلاميين"؟ أجابها قائلا: لم أقرأ لمفكرين إسلاميين طبعا (ما ضرورة طبعا هذه؟! لا ندري!) ولكن قرأت قليلا لماركس، ولينين وبرتراند راسل، وشو، وهـ. جي. ويلز. والموضوع الذي جئت به لم يأت به السابقون، حتى ولا ابن عربي، فهو جديد كل الجدة"! ويلاحظ أن محمودا قد تواضع قليلا هنا واعترف بأنه قد قرأ لخمسة مفكرين غربيين، نعرف أن أربعا منهم ملحدون، وأن خامسهم من جهلة اللا أدريين! ويبعد جدا أن يركز قارئ على قراءة فلاسفة ملحدين، ويتخيرهم وحدهم من دون بقية المفكرين العالميين، لو لم يكن معجبا بإلحادهم، ومتبعا لهم في تجديفاتهم!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة