إشارة أوباما الأخيرة تجاه السودان، لم تكن أبداً، رفعاً للعقوبات، بقدر ما هي تأكيد ذات الشروط الأمريكية المعروفة.. حكومة السودان ــ وهي حكومة شاطرة جداً ــ رحّبت بالإشارة ــ القرار ــ لكنها على غير العادة، لم تحشد المسيرات الهادِرة فرحاً بتعطُّف واشنطون المُفاجيء هذا. مع ذلك يجدر بنا ألا نطفيء فرحة البعض بالإعلان عن الرفع المشروط للعقوبات الأمريكية على السودان.. فالإعلان صادف ارتياحاً في أوساط العامة، الذين لطالما عانوا من المقاطعة الدولية والأمريكية، والتي لم تكن تؤذي النظام الحاكم وحده. تكمن أهمية هذا الإعلان، في أنه يكشف المسار الذي يفترض أن تمضي عليه تلك العلاقات المضطربة.. لا بأس من القول أن في الأمر نجاحاً للدبلوماسية السودانية التي انتظرت طويلاً، نظرة عابرة من واشنطون، لم يجد بها إلا رئيسهم المُرتحِل مثل طيف الخيال.. السياسة لا تُبنى على مثل هذا الشجن، لكن أقدار الخرطوم تستدعيها أن تجلس بعد حين ــ بعد مائة وثمانون يوماً ــ لامتحان ملحَق.. وهو امتحان مكشوف، لكنه صعب! يقول الإعلان، إن الحكومة لن تبرأ من آلام العقوبات، ما لم تضع حداً لمشاكل السودان الداخلية، وهي مشاكل عويصة لا يمكن تفنيطها بمعزلِ عن «السيستم» الذي انتجها.. مطلوب من الخرطوم توسيع هامش الحريات وتحسين سجلها في مجال حقوق الانسان.. أدنى أمر منها في هذا الاتجاه هو رفع الحظر عن سفر المسافرين، وقس على ذلك.. تطلب واشنطون من الخرطوم أن تساهم بايجابية في تضميد جراح جوبا.. وقد تضمّن هذا الطلب، اتهاماً صريحاً للسودان بالتورط في تأجيج الصراع داخل دولة الجنوب، التي كانت إلى عهد قريب، جزءاً عزيزاً من تناقضاتنا. وتمضي الشروط الأمريكية إلى ما يشبه إصدار الأمر، بتسهيل وصول المساعدات الانسانية للمتضررين من الحرب في المنطقتين ودارفور.. أن تخترق الوضع السياسي المأزوم باتفاق سياسي يوقف الحرب ويؤسس لمشاركة في السلطة، تستوعب معارضينَ لا يُحظون بمودة ساكني الشواهِق، في عاصمتنا الجميلة. مطلوب من الخرطوم أن تؤكد ــ بشكل قاطع ــ على كسر احتكار التنظيم العقائدي للسلطة والثروة، وأن تتعاون، أكثر وأكثر، مع السي أي أيه في مجال محاربة الإرهاب.. هذا هو امتحان المُلحق الذي يفترض أن تنجح فيه الخرطوم، وعلى درجة أداءها ومستوى تحصيلها، وحسن سيرها وسلوكها، يتوقف مشروع التطبيع مع ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، وما أدراكَ ما ترامب.. إنّه عدو الإسلام السياسي بالمُفتشَر، والمنوط به التقرير ــ بعد ستة شهور ــ ما إذا كانت حكومة السودان تستحق مكافأتها برفع العقوبات أم لا! ليس تقليلاً من أهمية القرار الذي ينص على رفع جزئي للعقوبات.. القرار من الأهمية بمكان، أو هو بالأحرى»هدية» أمريكية باذخة، لكن منذ متى كانت أمريكا تعطي هداياها بلا مُقابِل؟ هل تفضّلت أمريكا، التي دنا عذابها بهذه الهدية لزوم «تحبّني وأحبّك»، أم أن الحكومة قدّمت شيئاً مُهماً، لا يُرى بالعين المُجرّدة؟ قال الشاعر الغريب المغترب عاطف خيري: «أجملُ الناجين من الذبح صار يعبدُ خنجراً/ والرجال على وشْكِ أن يبيعوا شيئا عزيزاً، فاحترس»..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة