أصبح الإعلام أداة فاعلة في العمل السياسي، و الحرب النفسية منذ العهد النازي الذي استخدم الإعلام في مسارين، الأول كيفية تعبئة الجماهير لمساندة الحكم في مشروعه التوسعي، و الثاني في الحرب النفسية ضد العدو، حيث كان الهدف كيف تستطيع أن تحبط الروح المعنوية للخصم، و في ذات الوقت أن ترفع الروح المعنوية لقواتك، لذلك استعان فيه بعلماء الاجتماع و علم النفس، الأمر الذي قد أثر تأثيرا كبيرا في مجريات الحرب في سنينها الأولي، قبل أن تتوسع رقعة الحرب الجغرافية، و أصبح الإعلام أداة فاعلة في الحروب، و في ذات الوقت وظفته النظم الديكتاتورية و الشمولية في كيفية إطالة بقائها في السلطة، و في السودان أول من وظف الإعلام توظيفا سياسيا من أجل مساندة النظام الديكتاتوري، كان محمد عثمان نصر في عهد نظام الفريق إبراهيم عبود، ثم أصبح حكرا علي النظم الشمولية التي جاءت بعده، و هي نظم عسكرية، تاثرت جنرالاتها بإلثقافة التي أفرزتها الحروب، حيث أصبح الإعلام أهم أداة لنظام الإنقاذ، التي جاءت بأهل الولاء للوظائف القيادية في مؤسسات الإعلام، و خاصة في التلفزيون و وكالة السودان للأنباء، ثم أسست مؤسسات إعلامية و صحفية خارج منظومة الدولة، لكي يتسني لها احتكار العمل الإعلامي، هؤلاء أصبحوا يديرون العملية الإعلامية دون أية إرشاد من وزير الإعلام، الذي تأتي به سياسة المحاصصات ، و بالتالي من يجئ إلي وزارة الإعلام يعرف إنه تكملة للصورة فقط، لكنه لا يملك قرارا في التعديل و التغيير، أو حتى التدخل في السياسات القائمة، و قد أتضح ذلك في الخلاف الذي نشب في الوزارة في عهد الوزير المهندس عبد الله مسار، الذي أراد أن يقيل مديرعام وكالة السودان للأنباء و وجد نفسه ملزما أن يقدم استقالته من الوزارة، إكارما و لحفظ ماء الوجه، هذه الحادثة كانت رسالة و لفت إنتباه لكل وزير يعين في هذه الوزارة، إن هناك حدود للحركة و القرارات، و الوظيفة غير مكتملة الصلاحيات، و قبل الدكتور أحمد بلال أن يكون وزيرا للإعلام بهذه الشروط، فالرجل ليس لديه معرفة سابقة بالعمل الإعلامي، و ليس لديه أية مشروع إعلامي لتطوير الأجهزة و العمل الإعلامي، و لم يختار هو أو حزبه هذه الوزارة، فالوزارة جاءت ضمن كوتت المحاصصة. و قد ظهر جليا في حديث وزير الإعلام أحمد بلال في الحوار الذي كانت قد أجرته معه صحيفة التيار، و نشر يوم 9 يناير 2017م، في إجابته علي أول سؤال " هل أنت راضي عن أدائك في وزارة الإعلام في الفترة السابقة؟" قال ( أنا راض تماما عن أدائي، و في عهدنا كانت وزارة الإعلام غير مضافة أو مضاف إلي) و عندما قال له الصحافي بمعني؟ قال: بمعني أنها كانت مع الاتصالات ثم الثقافة، و لكن في عهدنا كانت لأول مرة مفصولة و لوحدها. و السيد بلال يعلم تماما فصل الاتصالات و الثقافة أملتهمسألة المحاصصة بهدف خلق وزارات متعددة، لكي تكف حصص المحاصصة القوي السياسية لأحزاب التوالي، و ليس نتيجة لرغبة وزير الإعلام. و كان المتوقع أن يتحدث وزير الإعلام عن المشروعات التي نفذت خلال فترته، أو السياسة الإعلامية التي طبقت، و وجدت استحسانا من قبل الجماهير، حيث أصبحت الأجهزة الإعلامية أكثر جاذبية للمشاهدين و المستمعين، و يعلم الوزير إن أغلبية الشعب يشاهد قنوات إخبارية أو منوعات و تسلية خارج الحدود، و لكن لآن وزير الإعلام يعلم إن فترته كانت من الفنرات البائسة جدا في تاريخ هذه الوزارة، لم يكن لديه إجابة غير مضاف و مضاف إلي. و حتى لا نتحدث جزافا، بعد الرجوع إلي تكوين "الهيئة القومية للإذاعة و النلفزيون" مرة أخرى، و تعين السموأل خلف الله مديرا للهيئة و الزبير عثمان أحمد نائبا له، علي أن يقدموا تصورهم للهيئة و ترشيحهم للعناصر التي تدير الأجهزة " التلفزيون و الإذاعة" تمت إقالة السموأل من منصبه بسبب مناكفته من أجل حقوق العاملين، دون علم وزير الإعلام أو حتى يستشار في ذلك، و أيضا تم إقالة وكيل وزارة الإعلام في قضية محمد حاتم، و تعين وكيلا لوزارة الإعلام من وزارة الخارجية، و أيضا دون استشارة وزير الإعلام، و ظل الزبير عثمان أحمد يدير الهيئة بالإنابة، و كذلك تدار بقية الأجهزة، و لم يعين فيها أية شخص بالأصالة، باعتبار إن التعين ليس من اختصاص السيد وزير الإعلام، فهناك جهات غيره هي التي تقوم بالترشيح، رغم إن الإعلاميين، اللذان يديرا مؤسسة الإذاعة من الكوادر الإعلامية التي بدأت العمل من بداية السلم الوظيفي، و ليس لهم أية انتماءات سياسية غير المهنية العالية التي صعدتهم للقمة " صلاح الدين التوم و إبراهيم البزعي" و حتى مدير الهيئة لا استطيع أن نف عنه مسألة الإنتماء السياسي، و لكنه أيضا من الكفاءات التي بدأت العمل الإعلامي من بداية السلم الوظيفي في الهيئة. هذه المسألة تؤكد أن السيد وزير الإعلام بالفعل لا يستطيع أن يخوض كثيرا في مسألة محدودية صلاحية وزير الإعلام، و هو راض لأنه كان يعلم هذه المحدودية، وظل مراع لذلك، بل ذهب كما أتهمه الصحافي أنه أصبح ملوكي أكثر من الملك. و حول إجابته لسؤال عن قسوته علي الصحف، و إذا كان نادما علي ذلك أم لا؟ تحدث السيد أحمد بلال عن الحرية و المسؤولية، و إنهما في كفتا ميزان و إذا أختلت هذه الكفة لصالح الحرية تصبح فوضى و إذا كانت لصالح المسؤولية تصبح كبت و مصادرة. ثم يعرج إلي مسألة الخطوط الحمراء، و يقول عندما تعدت الصحف الخطوط الحمراء الموضوعة ستوقف. و سأله الصحافي عن ماهية الخطوط الحمراء؟ رد قائلا هي الجيش و منظومته الكاملة. قاطعه الصحافي بالقول إن هذه الصحف لم تذكر سيرة الجيش أصلا..!؟ قال اتحدث عن الأمن الكلي .. و هو يقتضي الأمن السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و العسكري. إن رد الوزير يؤكد ليس هناك خطوطا حمراء متعارف عليها، أنما تحددها جهة ما، و رد الوزير رد مبهم غير واضح، لذلك نسأل ما هو الأمن السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و علاقة ذلك بحرية الصحافة و ما هي الجهة التي تحدد كلية الأمن غير القانون؟ إن الخطوط الحمراء هي مقيدة بالدستور و القانون، و التعدي علي نصوص الدستور و القانون هو تعدي للخطوط الحمراء، و الجهة التي تفصل في ذلك في دولة المؤسسات و القانون و مؤسسة القضاء، حتى لا تبق عرضة للأهواء و التقديرات الذاتية لاصحاب المصالح الخاصة و الحزبية، فالدولة التي تكون عرضة لانتهاكات الدستور و القانون، و عدم المسألة للمؤسسات التي تتجاوز حدودها في القانون، تكون دولة فاقدة لأية مشروع سياسي و فاقدة للأهلية الشرعية، و بالتالي تكون أجهزة الإعلام أيضا مستلبة شعبيا، لآنها تخدم فئة محددة من الناس و همها كيفية الحفاظ علي استمرارية حزب فاقدا للشرعية الدستورية و القانونية، و في ظل نظام مثل هذا، تكون الوزارة أيضا مستلبة، و يصبح الوزير أمام موقفين لا ثالث لهما أما الاستقالة، أو الاستمرار في محدودية الصلاحية و ليس أمامه غير التبرير لقضايا لا يملك المعلومة فيها. و في رده علي سؤال هل طرحت أمر الرقابة القبلية علي الحكومة؟ قال أنا اعتقد أن الرقابة بشكلها الكلي أسلم قبلية أو بعدية هي أسلم للصحف؟ و هنا مربط الفرص، إن الوزير يؤكد إنه لا يملك رؤية حول قضية الحرية الإعلامية و الصحفية، و غير مهموم بها، لذلك يطالب الآخرين أن يقبلوا بالرقابة حتى لا تتم مصادرة صحفهم، فالوزير لا يريد أن يدخل في مناكفات مع مؤسسات أخرى، كما فعل المهندس عبد الله مسار، يريد أن يحافظ علي موقعه مهما كان رأي الآخرين فيه، مادام هو وزير الإعلام بصلاحيات أو بدونها. إن العقلية الشمولية لا تؤمن بقضية الحرية، كما إنها تؤمن بمبدأ الوصايا الذي تفرضه جهات أخرى علي الصحافة.هذا القول يؤكد إن الوزير ليس حزبه قد تماهي مع الحزب الحاكم فقط، بل أصبح هو نفسه ينظر لشمولية الدولة، و فرض وصايا علي الصحف، لذلك قضية الحرية و الديمقراطية مفردات غير موجودة في قاموسه الثقافي و السياسي معا، و لم تكن يوما من إهتماماته، و هو كان قد ذكر ذلك بعظمة لسانه في مقابلة صحفية، قال فيها إنه جاء إلي الحزب الاتحادي الديمقراطي بعد الانتفاضة و رشح للانتخابات، لذلك الرجل لا يعرف المنطلقات الفكرية للأحزاب الاتحادية و للأشقاء، و لا حتى راجع تاريخهم السياسي الذي مكنهم في فترة تاريخية علي السيطرة علي الطبقة الوسطى في البلاد، و معلوم إن الطبقة الوسطي هي طبقة متململة، و طبقة الاستنارة في المجتمع، لذلك ليس في قاموسها السياسي و الثقافي مسألة الرقابة القبلية و البعدية للعمل الصحفي، هذه المفردات إنتاج النظم الشمولية و أحزاب تؤمن بدولة الحزب القائد، فأي تفكير ديمقراطي لا يقبل أن تكون هذه المفردات جزءا من الثقافة العامة. و حتى وزارة الإعلام نفسها هي إشارة لشمولية الدولة، باعتبار إن النظم الديمقراطية تتحاشى أن يكون لها وزارة للإعلام، لأنها تعتقد إن الوزارة تعد تدخلا سافرا في شأن الحريات الإعلامية و الصحفية، لذلك حتى الدول الديمقراطية التي تمتلك وسائل إعلام مثل بريطانيا و أمريكا و المانيا و استراليا لم تنشئ وزارة إعلام، إنما تتبع أجهزة الإعلام لوزارة الداخلية، كما هو في بريطانيا أو وزارة الهجرة و الجنسية كما هو في استراليا، و السبب إيجاد مؤسسة تنفيذية تقدم من خلالها الحكومة الدعم لهذه المؤسسات الإعلامية، و لكن بنص القانون هذه الوزارة فقط تعني بمسألة التمويل، و ليس لها الحق في أن تتدخل في السياسة العامة للأجهزة الإعلامية، و لكن في ظل الدول الشمولية العسكرية أو المدنية، تنشئ وزارة إعلام لكي تسيطر من خلالها علي الأجهزة الإعلامية، لأنها لا تؤمن بحرية العمل الإعلامي و الصحفي. و الغريب في اللقاء الصحفي، نجد إن الوزير قد أرجع كل الحملة الشرسة التي يقوم بها النظام ضد الصحافة و الإعلام، باعتبار إن هذه المؤسسات الإعلامية قد تعدت الخطوط الحمراء وفارقت المسؤولية الوطنية التي عجز عن تعريفها. و الملاحظ في كل حديث الوزير عن الحرية و الخطوط الحمراء لم يذكر الدستور و القانون مرة واحد، الأمر الذي يؤكد إن الوزير يعلم إن النظام لا يشتغل بقضية القانون كثيرا، و حتى القضاء لم يرد في حديثه باعتبار إنه المؤسسة المناط بها تطبيق القانون. هي قضية محيرة. نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة الجريدة الخرطوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة