. . إنسان ومعزة!! (عاطفة نبيلة، في وزن الأهم، ثم المهم)
بقلم: عبدالغني كرم الله
قيل، خرج الأستاذ محمود محمد طه، في هندامه الشعبي، الجميل، ثوب وعراقي وسروال، وعمامة، أحسبه في مشوار مهم. في الملبس يعتد بتراث البلاد، وخيالها الإبداعي في التصميم، والنسيج، والتطريز، كلها من الأرض، التي نبت منها، وحدة عضوية، وأتساق، وليس تنافر، وأختلاف، تسبق أنوار الفكر، أي شأن ذاتي، في كل خطوة، وقرار، ونية وعمل.
عند منعطف بيته الطيني، في الحارة الأولى، وقرب باب بيته، وجد معزة، تتألم، مخاض، وتعثر ولادة، صلبها متسع، كيس الجنين ثلثيه في بطنها الكليم، وثلثه في الخارج، في عيونها حزن بهيمة، لا حول لها، ولا وقوة، سوى شكوى الصمت، والعيون الحزينة.
مر بها الكثير، لاشك، كشأن الشارع، معبر للناس، والدواب، والتسكع، والوطر، ولكن من يرتب الأهم، ثم المهم، بقلب سليم، وعقل صاف، في معتكر الحياة، وأوهام النفس؟ فنمشي صم الحواس، بكم الشعور، بين أنين الشكوى، وبكاء الألم حولنا، كنخلة إيليا، "أني مفصلة ظلي على جسدي"، فحرمت أغصانها، وظلها المجاني، الطير، والبشر.
لم يتوانى، أو يتأخر ولو جزء من ثانية، شمر الساعد، وعلى محياة ارتسمت أسارير التصميم، والصولة، والنجدة، كأنه لم يخرج سوى لهذه الولادة المتعسرة، لم يتردد بعلة إنه في طريقه لمناسبة هامة، أو خوف اتساخ ملابسه الجميلة، تلكم العلل الكواذب، الجافة، فينا، تنسجها الوساوس، التي تطفف، وترجح بلادة الحس، على نبل العاطفة الإنسانية، وتهزم معنى الرحمة، والرأفة الحية، بوقائع كثر، مثلها، نغض الطرف عمدا، عنها، فنجني ثمار سوء، في حواسنا، وبين ضلوعنا، يتخشب القلب ويصدأ، كما الحديد، ويفقد جنة العاطفة وحرارتها، مع الأشياء والأحياء حولة، حجارة في الفؤاد، بل أشد قسوة، وليس قلوب رحيمة "يدخل الجنة سبعين ألف بلا حساب، قيل من هم؟ قال قلوبهم كأفئدة الطير"، وتسبقهم لا محال جنة الشعور هنا، في قلوبهم الطيبة، الله أكرم، من ان تعامله نقدا، ويعاملك نسيئة.
أحس بأنه رسول مرسل إليها، ساقه العقل القديم، لها، "كائن حي، مسكين، يتعذب، لا نصير له، في طلق مخاض جليل، سلوا النساء، العواتك، عنه؟ قيل أنه صنو الموت"، معزة تتعذب، تتألم، ومخلص عظيم، يعرف ترتيب الواجبات، الأهم، فالمهم، أهناك أجلى، وأولى من إغاثة ملهوف مسكين؟ وروح تتعذب؟ بل من يعرف منتهى ختام المعزة، في سلم التطور، كشأن الصلصال، الذي دونها، فسعى لبشرا سويا، لا شئ يعادل وزن الأمور بكفتي العقل الصاف، والقلب السيلم، هي العدل، وهي الجمال الأسمى، ولو وزنت الأمور، والوقائع، والأحداث، والسياسات، بها، لحل السلام في دخيلة الفرد، والأفاق، وكثر المال، حتى لا يقبله أحد، وسعت المرأة من الفاشر للقضارف، لا رفيق لها، سوى ظلها، أمن وسلام.
جلس على الأرض، وبرفق، وحنان، وخبرة من عاش في رفاعة والهجليج بين المعز والبهم،، أخرج العتود، والسلا، بمهل، وتأني، وحرص، طبيب ماهر، حنون، وأم تتعذب وفي اننتظار ثغاء وليدها، ولدها بسلام وأمن، حتى ألقم الوليد ضرع أمه، كان هذا واجبه المباشر، والأهم، كما يحث في كل فكره، إن الواجب المباشر هو أس الحياة، وهو الغرض الأهم، فأتقنه بإحسان، وهو ما يقابلك بغته، في سعينا اليومي، في تسلسل الأهم، ثم المهم، ويلزم الحل، وتلكم هي حكمة الحياة الأغلى، ترتيب الأوليات، وتسلسلها الإنساني، والمنطقي، والعاطفي.
عيون المعزة، ولسانها يلحس نعومة شعر عتودها، نظرت له بحنان، يتجاوز الشعر والموسيقى، لا شئ يعادل الحنان والفهم والعمق، حين تمور في قلب مفكر عظيم، ومعزة سعيدة، وتعامل مع الأوليات، بحكمة تخصب الحياة، وما يعيش عليها من حيوات، فأي ألم أو جرح في قلب كل كائن حي، تتداعى له الحياة، شعرنا، أم لم نشعر، فالكون كله، هو قلب صمدي، بين شغافه تسبح النجوم، وتجري الأنهار، ويسعى بني آدم، فمن يصنع ثقبا، في فلك يجري بالناس، سيغرق الجميع، بما فيهم من أغرق نفسه، ولا يشعر، إلا بعد حين، حين يغرق في الأسى، من فعلته تلك، لتبلد حسه، ولو رهف، لكف، وأعتذر.
لو فتحتنا بصيرتنا، سنحس، في كل خطوة، اننا مرسلون لأشياء بسيطة، عظيمة، عابرة، ولكنا لا نحس بها، عماء المناسبة، وتعليل المكر فينا، ينسينا الواجب المباشرة، وهو الأهم، والأغلى، بل في قضائه، نجاح للمناسبة، ولو لم تصل إليها، (بل قد يكون هو المناسبة، من يأمن مكر العقل القديم؟ ألم تكن نار موسى، كي يصطلي، هي لقاء المحبوب الأعظم؟، نحن نستدرج بطريقة لطيفة في الحياة، فمن يمعن النظر، نجد أن الغرض ليس نهاية الرحلة، بل تخوم الرحلة، هي ملح الحياة، وكذا ختامها، ولاشك واصل، فيتجلى فيك، وببساطة، مقام لا يشغلك شأن عن شأن، ما أكثر بطولات الفداء، التي هزمناها بالتعليل المريض، أو خوف اتساخ الثياب، والتي قد تكون سببا في موت عتود، وأمه، وحليب وأطفال جوعى، لمجرد اتساخ ثياب، ولكن من يغطس الدانة، ويطفح المسحانة؟.
ما أوسع الحياة في قلوب أهل الفكر، والصدق، والخلق، وما أسعد الحياة بهم، لا يشقى بهم جليسهم، رجال تعرف ترتيب الواجبات، وتلكم هي سنة الحياة، وإلا طفف العقل المتلوي، بميزانه المعوج، دفق الحياة، فقد تنتصر فيك إرادة حضور حفل غنائي، على ولادة معز، فأي خسارة هذه؟ للحياة، ولضميرك الجمعي، والذي لاشك، لن يرضى، ومن عجب، فطرة قدت في أعماق نفسك، يزجرك بلطف، وخفاء، وملل وتوتر، وأنت غير أبه، لأنك تركت الاهم، للأقل منه شأن، ولم تعرف سبب توترك الغائر، وهو نكوصك عن أداء الواجب المباشر، أي ألم عظيم، نجدته تدخلك الجنة، جنة الشعور الهنئ، ولو سيقت بخفك كلبا، أو انقذت قطة، أو نملة من غرق، فالله أكرم، من أن تعامله نقدا، ويعاملك نسيئة.
مرة حكى، عن أعمق مافي الوجود، فقال "العاطفة الإنسانية"، حين وصف له بكاء أرمله، بحرقة، على زوجها الراحل، العاطفة هي القلب، هي الجسم كله، بما فيه العقل، حين تقشعر، وتلين لما حوى الدهر، ولاتسبوا الدهر، فإنه الله، كما قال المعصوم عليه المحبة والسلام. القلب السليم، والعقل الصاف، هما، أكسيرا الحياة، وبغيابها نخسر الكثير ونحن نسعى في الطرق، ونعمى عن الرؤية، والإغاثة، والدهش والحيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة