ابتلي شعبنا الطيب الغلبان بفئة سياسية تأكد تماماً أنها الأكذب والأمكر والأفسد والأفشل.. طوال تاريخ السودان، قديمه وحديثه. لقد كذبوا علينا عندما تسنموا السلطة ونفوا أية صلة لهم بالإخوان المسلمين. وقد اتضح لاحقاً أن إنقلابهم كان تخطيطا احكمته عقول الإخوان المسلمين وحظى بدعم مالي ومعنوي من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وظهر عرّابهم الترابي في حلة القائد الذي يؤثر نكران الذات ليترك لغيره دفة القيادة في العلن ويكتفي هو بالتوجيه الفعلي من وراء الكواليس، فضلاً عن التوجيه الروحي للجماعة. كذبوا إذ وعدوا الشعب الغلبان بأنهم ريثما يدحرون تمرد الجنوبيين ويعيدون الجنوب إلى حضن الإسلام، وسيعقب ذلك وقف الهدر العبثي في الموارد البشرية والمالية فيما لا طائل يرجى من ورائه. كانوا قد جيشوا الشباب الطرير، وأودوا بحياته هدراً في الأحراش والسهول والوديان. ثم زعموا أن الملائكة كانت تقف مع جيشهم في معارك بانتيو وراجا وواو ورمبيك وبور وبيبور وأويل.. وزفوا قتلاهم للحور العين في كوميديا لا تضاهيها الكوميديا الإلهية التي فجرتها عبقرية دانتي أليغييري ولا هي قريبة من شطحات أبي العلاء المعري في رسالة الغفران ولا تخيلات ابن شهيد الأندلسي في التوابع والزوابع. وعندما انفصل جنوب السودان في 2011م، فقد كان ذلك إيذاناً بإسدال الستار على مسرحية كذب إخواني فاضح وعنتريات صبيانية مضحكة وشعارات جوفاء تتأرجح بين اللامعقول وتأليه الذات. كذبوا عندما قالوا إن مجيئهم للسلطة كان بدافع تصحيح مسار الاقتصاد السوداني، ووقف تدهور الجنيه أمام الدولار الأمريكي حتى لا يصل إلى 20 جنيهاً للدولار الواحد (وكان وقتها عند مستوى 12 جنيهاً). واليوم يتبوأ الجنيه السوداني مكانا قصياً في الدرك الأسفل بين سلة عملات الشعوب، فقد وصل الدولار إلى العشرين ألف جنيه من جنيهات زمان. إذن كانت دعواهم بتصحيح الاقتصاد كذبة من العيار الثقيل. وهي كذبة أوضح من الشمس في رائعة النهار؛ ولا يدحضها أعتى سوفسطائي إسلاموي مهما أوتي من بلاغة حجة وقوة عارضة. تعرض الاقتصاد السوداني، في عهدهم، لأكبر مجزرة دموية خلت من العقل والرحمة معا: فقد جُرّد الاقتصاد من قوته الإنتاجية بتغييب الدور الريادي الذي كان يضطلع به مشروع الجزيرة كمحرك جبار لعجلة الإنتاج الزراعي سواء للإستهلاك المحلي أو التصدير. وضع المشروع تحت وطأة فساد كاسح مارسته جماعة الإخوان المسلمين على أعلى مستويات المسؤولية الحزبية والقيادة الحكومية. وبذات الفساد، والشراهة في تعاطيه، تعطلت السكك الحديدية؛ وتعطل النقل النهري وكذلك النقل البحري. كذبوا عندما قالوا لنا إن «العبث السياسي قد أفشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد أخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة وطنية وإنسانية»، حسبما جاء في بيانهم الأول في ذلك اليوم المظلم المشؤوم من 1989م. فيما بعد، ولغوا في دماء السودانيين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وظلت المحكمة الجنائية الدولية تطارد رئيسهم على جرائم إبادة جماعية في دارفور؛ وهو كالسنجاب يقفز من مكان إلى مكان دون أن يتذوق عبق الأمكنة! انتشرت القبلية انتشاراً محموما، إلى درجة أن امتحانات الشهادة السودانية تطرح سؤالاً عن قبيلة الشاعر العربي!! تلك ـ لعمرى ـ هي الركاكة في أحط صورها وأبعدها عن رجاحة العقول السودانية المميزة والمشهود لها بالرجاحة بين شعوب الأرض قاطبة! كذبوا في كل شيء خرج من حناجرهم: ثورة تعليم لم تحقق هدفا واحدا؛ تطور صحي.. باءت مساعيهم فيه كلها بفشل ذريع؛ محاصرة السوق السوداء، وقد تحول السودان برمته إلى سوق سوداء. القضاء على الفساد لم يكن إلاّ ريشة صغيرة في مهب ممارسات الإخوان الممنهجة للفساد والتمكين وإقصاء الآخرين وتجييش صفوف لا تحصى من الطفيليين والساعين إلى مصالحهم الذاتية ممن يجدون سعادة ما فوقها سعادة في شقاء الكادحين. أمام كل هذه الأكاذيب، ظل الشعب السوداني صابراً صبر البعير الأسود على الهواجر. لكن هذا الشعب، وقد بلغ الجهد منه مبلغاً فاحشاً، سوف يرد رداً قاسيا يصعب على الإنقاذ توقع توقيته مثلما يصعب عليهم توقع ما ينطوي عليه الرد من مضامين على مستقبل الإسلام السياسي، سواء في السودان أو في خارجه. نعم يفتقر الشارع في الوقت الراهن لمن يقوم فيه بدور ريادي للتنظيم والتوجيه والتنسيق، وهي أمور مهمة لتذليل حدة المخاطر المحدقة، لا سيما أن الإنقاذ تملك الأذرع الأمنية العديدة، بعدما قامت بتوجيه كل موارد البلاد نحو الأمن، وتشحيم الماكينة الأمنية وتجهيزها للاستماتة حمايةً لمنافع شخصية سخية. وأمام وضع تنظيمي هش يتسم به الشارع السوداني، يبرز دور الطلاب بوصفهم طليعة النضال عبر التاريخ، وبوصفهم الشريحة الأكثر قدرة على مواجهة التحدي، وهم أيضاً الرحم الخصبة لاحتضان الأفكار المبتكرة والحلول الناجعة. ولعل وسائل التواصل الاجتماعي تتيح لهم مخرجاً من هذه الدوامة المحيرة. لكن، ورغم كل ذلك فإن من يستهين بعقلية هذا الشعب يكون قد ظلم نفسه ظلماً فادحاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة