الأديان -بشكل عام-من الممكن أن تتآكل حتى تندثر إذا ظلت في جمودها الحالي ولم تعيد خلق نفسها من جديد لتواكب المدنية الحديثة لا سيما في مجالات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وأقول بشكل عام ﻷنه حتى الأديان الوثنية فقدت بريقها مثل الهندوسية التي ترسخ للطبقية ، والتي جاءت الجينية والبوذية لتوقفان طغيان طبقة البراهما داخلها ، والهند الآن تتدخل بقوانين تعدل من أحكام الهندوسية القاهرة وتخفف وتلطف من قسوتها وشدتها حتى تواكب الهند الحديثة. الأديان السماوية أيضا تعاني من التآكل ، وهناك ثورة عليها وخروج يكاد يكون جماعي من عقالها سواء كان ذلك الخروج حار عبر إعلان الإلحاد أو بارد عبر التخلي أو الاكتفاء بالطقوس الأولية منها . إن فكرة حقوق الانسان منتج رسخته الثورة الفرنسية والدستور الأمريكي وتفاعلات المجتمع الدولي من دول ومنظمات دولية وأصبح من المسلمات التي لا يجوز الخروج عليها كقاعدة مقدسة ، فلا يجوز التمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو الثقافة التي تشمل أهم ما تشمل اللغة ، بعض الحاخامات اليهود ذهبوا إلى التأكيد على عدم صلاحية بعض أحكام التوراة للتطبيق في عصرنا هذا احتراما لقدسية حقوق الإنسان كحالة استعباد المدين الذي يعجز عن الوفاء بدينه للدائن ، والتي كانت التوراة -ولازالت- تجيزها في نصوصها المقدسة ، كذلك كحالة قتل أو استعباد كل من لا ينتمي إلى أسباط بني إسرائيل ، وسبي نسائهم أو فرض الجزية عليهم ، أو تطبيق عقوبة الرجم على الزانية ، لم تعد التوراة صالحة للتطبيق في عصرنا هذا إلا في مسائل قليلة كالوصايا العشر ، ولهذا -ونتيجة لتجاوز الحاخامات اليهود لشروح موسى بن ميمون القديمة- نرى اسرائيل اليوم تطبق قوانين علمانية بدون أدنى شك لا سيما في القانون الجنائي. وهذا يعني بالضرورة أن دعاوى تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية هي دعاوى زائفة ومن المستحيلات خاصة لتواجد التيار العلماني والليبرالي المتزايد والرافض لتهويد اسرائيل مكتفين بصهيونية علمانية. المسيحية سبقت اليهودية في علمنة مفاهيمها منذ صلح وستفاليا عام 1648 ، ولكن تاريخها الدموي يلطخ ثوبها الأبيض في الوقت الحاضر ، كذلك فإن من إشكاليات المسيحية التقنية هي أنها جمعت بين التوراة والانجيل في الكتاب المقدس ، وبالتالي فإن التعاليم الموسوية القديمة التي لم تعد صالحة الآن مستصحبة في المسيحية عملا بقول المسيح بأنه لم يأت لإلغاء الناموس. المسيحية اليوم ديانة باردة ومع ذلك فلها تأثير على بعض حقوق الإنسان في الدول الأوروبية خاصة عندما تتكاتف وتتحالف مع اللوبيات اليهودية والإسلامية للضغط وتكوين جبهة واحدة ضد بعض النداءات الليبرالية مثل إباحة الإجهاض وحقوق المثليين ، وقد رأينا أن هذا التحالف الثلاثي كان له تأثير واضح في فرنسا عندما تم الغاء حظر لبس البوركيني بسببه. بالنسبة للإسلام فإنه يمر بمرحلة تحول قاسية جدة ، وهناك انقسامات حادة بين الشيعة والسنة من جهة وبين السنة من الداخل من جهة ونشاهد اليوم تطبيقات مختلفة ومتباينة ما بين إسلام راديكالي وليبرالي وأصولي وصوفي ...الخ. إعادة خلق وفهم الأحكام الدينية اليوم مجابه بما يسمى بالثوابت ، وبالنصوص الجامدة وبمبدأ الا اجتهاد مع النص ، ومشكلة الواقع والحكم الشرعي التكليفي ، والناسخ والمنسوخ وموقف ومنزلة السنة من القرآن....الخ هذه قضايا وإشكاليات كثيرة جدا يجب حلحلتها وتفكيكها ، ليستطيع الإسلام مواكبة الحداثة ، فالدين ليس كائنا حيا يمشي على رجلين ، بل هو محمول في عقول وقلوب الرجال ، فهو عبارة عن مفاهيم في شكل أنساق يجب اتباعها للإعلان عن الإنتماء والهوية. 24نوفمبر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة