الاتكاءات على جدار الذكريات في كثير من الحالات مثل ينبوع من الحنان .. تسكب في حنايا الفؤاد الحانا من النغم الحنون ..وهي مثل اجنحة العصافير تحلق بالخيال لمسافات من الزمن الجميل..وتسكب المآقي حيالها دموع هطال ..بينما الامنيات تنسج من الماضي خيوطا من اضواء النهار ..فينداح عطر الطفولة من مرابع الامكنة بأريجها الفواح .. ولانني كائن ارهقه الترحال عبر ازمان طوال .. فأن هذا الجدار هو الملاذ الاوحد لأرتاح عليه من عناء السفر ..واترك العنان لخيالي فيمتطي صهوة جواده ..فتذرف عيوني دموعها الهتارة وهي ترمق تلك القرية التي كانت وقبل ان ترقد في جوف المياه تبدو مثل عروسة جدلت ضفائرها ليلة عرسها ..فتمتلئ انغاما من خلال اصوات السواقي ..وتتمدد فوق قيوفها غابات من النخيل الباساقات .. بينما الجداول تنشد طربا بمياهها الرقراقة .. والحدائق لا تكف عن بهجتها لانغام العصافير وهي تغرد فوق اغصان اشجارها الوريقة ..وكانت امسيات قريتنا في (اشكيت)بأقصى اقاصي الشمال هادئة وغارقة في بحر من الجمال !! في تلك الامسيات الطروبة كنا في معية الصبا والطفولة الحالمة نلتف حول المذياع فتصفق قلوبنا حينما تبث اذاعة صوت العرب اغنية (الشمندورة)بلغتنا النوبية استهلالا للمسرحية التي كانت تروي الكثير عن حياتنا في تلك المنطقة ..غير اننا وفي تلك الاعمار البضة تحملنا الافراح للمدى البعيد لسماع هذه الاغنية بلغتنا التي لا نجيد غيرها من اللغات .. وكان البث ياتي مع الاثير في الساعه التاسعه مساء من كل ليلة فلا يرفد النوم لعيوننا الا بعد انتهاء المسرحية كان ذلك في الاعوام الاولى من ستينيات القرن الماضي .. الا ان سفينة الذكريات طافت بخيالي فارتعدت اوصالي من فرط الحبور وانا اقرأ في احدى الصحف العربية مقالا حول صدور الطبعة الثانية من رواية (الشمندورة)لمبدعها الراحل محمد خليل قاسم فأنداح بعبقها المكتبات المصرية .. ورغم ان هذه الطبعة جاءت متأخرة الا انها اهاجت في الاعماق قدرا من الفرح والاطمئنان على الحضور للادب النوبي الطبعة الاولى لهذه الرواية كانت قد عمت المكتبات في اواخر الخمسينيات من القرن الماضي وكان صداها قد اطبق على الساحه الفنية والادبية .. واجمع معظم النقاد والمثقفين والقراء على حلاوتها ومذاقها الادبي الذي تعرضت له (الرواية)واعترفوا بأنها من اجمل الاعمال الا ان الاهمال الذي تعرضت له (الرواية )واستبعادها عن مؤسسات النشر الرسمية في جمهورية مصر .. والتجاهل النقدي والاكاديمي من قبل الجامعات اوقر في قلوب النوبيين جرحا غائرا الراحل محمد خليل قاسم مؤلف هذه الرواية رأى النور لاول مرة في حياته بقرية (قتة) احدى القرى النوبية في مصر عام 1922 ورحل عن الدنيا في عام 1968 ..وذلك بعد صراع مع المرض وسجون الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال عقدي الخمسينيات والستينيات .. وكتب هذه (الرواية)خلف اسوار السجن بقلم (كوبيا)وعلى ورق (بفرة ) المخصصة للسجائر وهرب الاوراق الى خارج سجن (الواحات)ونشرتها مجلة صباح الخير في حلقات متتالية ..واصبحت درة الادب النوبي الرواية بأسلوبها الادبي الرفيع تمكنت من ابراز وتجسيد الصورة الحقيقية لواقع حياة النوبيين في تلك القرى التي كانت تسترخي على ضفاف النيل قبل ان تغمرها مياه السد العالي .. وجاءت حروفها تروي كل تلك السمات النبيلة التي تنداح من وجوه النوبيين على مر العصور .. وما جبلوا بها من صفات الصدق والامانة ومنحت (الرواية) وصفا مستفيضا عن المنازل في تلك المنطقة وعن حجراتها وعاداتها وتقاليدها في تلك الربوع ذات التاريخ التليد .. والمؤلف بجانب هذه الرواية اصدر من قبل مجموعة قصصية بعنوان (الخالة عيشة).. ونالت ايضا اعجاب كل المحافل الادبية .
المسؤول الاعلامي بهيئة الاغاثة الاسلامية العالمية ج :0501594307
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة