ليس عيبا مُشكلا أن يكون لون الإنسان داكنا. فهذا مجرد لون ظاهري لا يدلُّ على باطن الإنسان. ولكن المشكل أن يتعقَّد الإنسان من لون بَشرته ويصنع من ذلك لنفسه مشكلا ومعضلا. والأعضل من ذلك أن يتصرف الإنسان بوحي من ذلك المُشْكل المصطنع فيضحَى يعبئ نفسه بالأحقاد العاتية. وتصبح مهمته الكبرى في الوجود أن يعبر عن تلك الأحقاد. فينطلق يسبُّ البشر ذوي البَشرة السمراء أو الصفراء أو الخضراء أو البيضاء أو الشقراء. ويخصُّ بسبابه جنسا بعينه من تلك الأجناس، هو الجنس العربي، الذي له منه عقدة خاصة. ثم يغالي في طغيانه وهذيانه فيوجه سبابه إلى دين أولئك الناس. وهو دين ليس قاصرا عليهم وحدهم، وإنما هو دين مئات ملايين البشر من الأجناس المختلفة، بما فيهم البشر من ذوي البشرة الداكنة أنفسهم، فيشملهم عندئذ بسبابه مع الآخرين. وهذا السباب مهما اشتطَّ وفحُش فإنه لا يشفي غليل الحقد العنصري المستعر في قلب بريش وقلوب أفراد شريحته العنصرية الجاهلية. وما يفتأ الحقد يغلي في نفوسهم المتشنجة وقلوبهم المِراض إلى أن يجدوا متنفسا لهم في الانتقام ممن يحسبونه عدوا لهم. وهو كل من رأوا في خصائصه أدنى انتساب إلى الأرومة العربية الممقوتة لديهم. ولا يتورع أمثال هؤلاء الذين ابتلوا بداء الحقد العنصري عن الانخراط في حركات التمرد الجهوية الإرهابية التي تحمل السلاح على عموم السودانيين. ويفيدنا التاريخ أن أبشع المجازر التي ارتكبت على مرِّ العصور هي تلك التي ارتكبت بدافع الحق العنصري. ومما شهد الناس من أنماط المجازر العنصرية الفظيعة حديثا ما جرى على أرض البوسنة والهرسك في سنة 1992م وهي المجازر التي راح ضحيتها مائة ألف إنسان. وما جرى على أرض رواندا في سنة 1994م من قتل الهوتو للتوتسي، ثم قتل التوتسي للهوتو، وقد راح ضحية تلك المجازر ثمانمائة ألف إنسان. وليس أقل من هذا ما ينتظر بلادنا من جانب العنصريين المتطرفين الطغاة من أمثال عبد الغني بريش وأفراد شريحته الغاشمة. فليس يشفي غليلهم ولا يسكِّن نيران الحقد التي تجيش بها قلوبهم إلا ظهور فرصة سانحة لهم لممارسة القتل الذريع والفتك المريع بمن يتصورونهم أعداء لهم، وهم عموم أهل السودان. ولولا أن جيشنا القومي العظيم الباسل كان لهم بالمرصاد، ولولا أن حكومة الإنقاذ أدركت سرهم، وحمت البلاد من شرهم، لكانوا قد بلغوا وطرهم في النيل من العباد وتدمير البلاد. وإنك لا تزال تطلع على بغاة مفسدين منهم من أمثال بريش وشريحته المنحرفة وهم يتحدثون بأشرس أنواع الحقد البادي على أساريرهم الشريرة عما يزعمونه من مظالم تاريخية حاقت بهم وبأهليهم. وهم مع ذلك لا يفعلون شيئا، ومن قبل لم يفعلوا شيئا لنجدة أهليهم وغوثهم وعونهم. وكما ينطق كل منصف، فما جاء الظلم لقومهم إلا من قِبلهم هم، ومن جراء تهربهم منهم، ومن تقصيرهم في الإسهام في إصلاح أحوالهم والعمل على تطويرها. فهم ليسوا من أصحاب الهمِّ المجتمعي على الإطلاق، وإنهم لا يهتمون من حيث الأصل إلا بذواتهم الصغيرة، وبتحقيق مصالحهم الحقيرة. ولا يترددون في المتاجرة بمظالم أقوامهم عسى أن يجدوا لأنفسهم مكاسب موكوسة من زعامات مزعومة وعمالات مأجورة. وهذا هو في واقع الحال شأن أكثر العنصريين البغيضين من أمثال بريش وشريحته. والحمد لله أن شرَّهم حاليا منحصر قابع في قلوبهم ولما ينفجر بعد. وعسى أن ينفجر في قلوبهم فيفجرها تفجيرا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة