يقع القتل في الغارات من باب الحب، حيث القتيل مزهو بمصرعه والقاتل فاعل خير! في تلك العوالم، يتخير القاتل لقتيله ميتةً تليق به. هناك، يتخيّر القاتل لقتيله ساعة الشهادة.. في ساعة الفناء،يقع الفناء. الغارات سير في مفازة الروح. في دروبها تنشأ علاقة وجدٍ بين الخنجر والقتيل. سفك الدم هناك مباح، والمسفوح عاشق.. فى هذا المعنى قال الشيخ الامين حاج حسين، مادح دائرة السادة العجيمية: ( يا حبذا صبٌ رُمي بسهامها ـــ في حبها سفكُ الدماءِ مُباحُ / فالشوقُ شرطٌ فى مناسك حجهاـــ لمن استطاع الشرطَ ذاك فلاحُ).. في ذلك الوادي القدسي، يتحرر الصَّب من أسر الزمان والمكان.. يخرج نقياً من عالم الأشباح، الى سعة الملكوت، ربما ناجياً من فتنة مقبلة في رحم الغيب. يخرج مسفوكاً راضياً بقدره الظاهري، مثمناً ورافعاً قدر غريمه ــ سافك دمه ــ الذي أراد الخلاص لضحيته أو تحييدها، خشية أن تتورط في ملابسات دنيوية أو روحية، على غرار ما فعل العبد الصالح ــ نبي الله الخضر ــ بالغلام في قصة موسى عليه السلام ، المحكية في سورة الكهف. القتل في الغارة ليس عدوانا، وإنما هو إحسان للخلاص بخاتمة حسنة في معنى أنه (سلبه الأسرار) لكونه صاحب الوقت. مِن الغارات التي وصلت حد القتل، غارة الشيخ عبدالعال تلميذ السيد أحمد البدوي على الشيخ يوسف.. قال الشيخ عبدالعال بعد أن قتله:( نزعنا ما كان معه وأطفأنا اسمه). كما أغار الشيخ عبدالعال على رجل حُظي (بالسِّرْ) صدفةً حين شرِبَ قياً خرج من جوف السيد أحمد البدوي. وقد طارده الشيخ عبدالعال حتى وقع في بئر بطنطا وماتَ فيها.. أنظر: محمد عثمان عبده البرهاني، إنتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان، ص98. وفي المشهد الأخير من حياة الشيخ حسن ود حسونة كان التمساح الذي صوَّبَ عليه البندق غريماً وطالب ثأر.. كان الشيخ حسن يربى التماسيح في الحفاير،(فلما طال الزمان صار بلل الشيب يكري الحفاير). أنظر: الطبقات، ص147.. جاء هذا النص مقيّداً هكذا في الطبقات على لسان الشيخ حسن، وهو قول يشي بأنه كان يدري أن حتفه فى تلك الحفاير التي كان يشرف عليها، وأن خليفته و تلميذه بلل الشيب كان يكري الحفاير، في معنى أن تكون تلك الحفاير ميداناً لفناء يليق بشيخه.. حين أراد الشيخ حسن قتل التمساح إرتد عليه شرار البندق، ذلك أن التمساح كان ولياً آخر أغار على الشيخ آخذاً بثأرٍ قديم.. يُقرأ هذا النص على ضوء رواية شفاهية فحواها أن الشيخ حسن بمجئ غريمه إلى الحفير، حمل حربته ورمى بها التمساح قائلاً: (خُدْ من الكف المليح)، فأمسك التمساح ــ المُغير ــ بالحربة ووجهها على جسد الشيخ حسن قائلاً: «خُدْك من الكفْ الطَّابق الوَضو فوق الوَضو).. مما تواتر بالشفاهة أن الشيخ حسن ود حسونة مات بعد عام من إصابته في تلك الغارة و كانت الحربة في جوفه، وفاءاً بتحديه للمغير، حتى لا يقال(كَتَلو وِليدْ)..! akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة