في الوقت الذي اتسم فيه إضراب الأطباء بالجدية والمنطق والواقعية .. فقد إنغمس الإعلام الرسمي والموالي في ممارسة ألاعيب غاية في السذاجة والبلاهة . وهو ما يدل على أن الإعلام الحكومي والموالي لم يعد مفلسا فحسب ؛ بقدر ما طالته أيدي وعقول المتسلقين عديمي المواهب والإدراك بالمتغيرات الجوهرية التي فرضتها ثورة المعلوماتية.
وكأني بهذا الإعلام البليد المتخلف لا يزال يظن بأن الناس لا تقرأ سوى الصجف اليومية والمجلات الأسبوعية التي تصدر في الخرطوم ؛ وتلك البوليتينات عواصم الأقاليم .. أو كان الشعب لا يزال يجلس أمام تلك القناة التلفزيونية اليتيمة منذ بداية البث بتاريخ 23 ديسمبر 1962م.
لقد وصلت الدعاية الحكومية إلى مرحلة جاءت فيها بطالب جيولوجيا فاشل لتمثيل دور مريض .. ثم سرعان ما قامت بترقيته إلى طبيب ليظهر نفس الشخص في حالتين متناقضتين .... وهو ما جعل منه ومن الإعلام الحكومي أضحوكة المواقع الألكترونية والفيس بوك و الواتساب في يوم واحد.
إذن نبدأ أولاً بالتأكيد على أن التعامل مع إضراب الأطباء بإطلاق مجموعة من الأكاذيب والإشاعات المضادة لن يحل المشكلة .....
والتعامل مع الإضراب بمنطق القوة والتهديد والوعيد ؛ وإبراز العضلات لن يفيد في شيء .. فلم يعد بالإمكان أسوأ مما كان. وفي عصر المعلوماتية وسهولة التواصل والإتصال ؛ أصبح من رابع المستحيلات بث الفرقة والبلبلة في صفوف المضربين عن العمل عندما تعلن السلطات عبر أجهزة الإعلام الرسمية والموالية أنه قد تم التوصل إلى حلول وأن الإضراب قد رفع.
لا يجادل أحد بأن دوافع إضراب الأطباء مشروعة ...... ومن ثم فإن مسارعة الحكومة إلى محاولة تفريغ الإضراب من مسبباته ومطالباته المهنية والإنسانية هذه ؛ والزعم بأن أسبابه سياسية إنما يؤكد بأن هذه الحكومة غير جادة في إيحاد حلول لمواجهة التردي الغير مسبوق في حقل الخدمات المنوطة بها الدولة وعلى رأسها الصحة والتعليم.
تبلغ النسبة المئوية المخصصة في ميزانية الدولة للخدمات الصحية 5% فقط .... وليت هذه النسبة تذهب إلى الصيانة والإحلال للأجهزة والمعدات والتركيبات الأساسية في المستشفيات الحكومية . إذن لكان الحال أفضل بكثير مما هو عليه اليوم. ولكن الشاهد أنه حتى هذه النسبة الضئيلة تضل طريقها إلى شارع الضباب ؛ حيث تتلقفها أيادي معتادي جرائم سرقة المال العام والمدمنين عليه.
الزعم بأن السودان فقير وأن الخزينة خاوية غير مقنع . خاصة وأن الحكومة السودانية كانت قد تبرعت على يد رئيس الجمهورية ببناء مستشفى ضخم في جيبوتي بلغت كلفته 25 مليون دولار ..... وشيدت مستشفى في جزر القمر بتكلفة 5 مليون دولار .... وتكفلت بتكاليف ونفقات ونثريات حجاج (5 نجوم) من يوغندا إلى الأراضي المقدسة بمبلغ ثلاثة أرباع المليون من الدولارات...... وعلى نحو جعل الناس تتمثل بقول أمير الشعراء: أحرام على بلابلة الدوح ...... حلال للطير من كل جنس؟
كل هذا في الوقت الذي يظل فيه السودان بلد فقير تضرب جنباته الأمراض والأوبئة ، ويلفظ المرضى أنفاسهم الأخيرة على أرضيات العنابر وصالات المستشفيات ... فهل كان السودان في حاجة إلى تبديد هذه العشرات من الملايين على الغير ؛ في الوقت الذي تعاني فيه مستشفياته من خراب أو تعطل الأجهزة والمعدات الأساسية ناهيك عن إنعدام الدواء ؟
تخيلوا لو أن هذه الملايين السودانية التي أنفقتها حكومة السودان على شعوب أخرى قد تم توجيهها إلى تحسين البيئة العلاجية في مستشفيات السودان الحكومية قاطبة . ألم تكن لتكفي وتفيض؟
والطريف أن جيبوتي قد سارعت بعض اليد التي إمتدت إليها فرفضت إستقبال رئيس الجمهورية في أراضيها بحجة وجود مذكرة جلب في حقه من محكمة الجنايات الدولية. ولعلنا هنا ننعى على السياسة السودانية الخارجية أنها وعلى قدر تسجيلها فشلاً في جلب التعاطف الدولي وإستجداء الإعانات .. فإنها أثبتت فشلاً أغبى في كيفية بذل التعاطف تجاه شعوب أخرى ومنح التبرعات وفق إمكانياتها وواقع حال شعبها. لا الفقر يخفى .. ولا الغـنى يخفى .... وأركان الدنيا الأربعة تعلم أننا دولة تتلقى الإعانات ؛ وقد أصبحت مضرب الأمثال في الفساد والشقا والحرمان.
والمدهش اليوم هو تكاثر المستشفيات الخاصة التي صاحبت وتزامنت مع إنهيار الخدمات الصحية في البلاد .....
هل يظن البعض أن الأمر يجيء مصادفة .... أم هو مقتنع بأن هناك تواطؤ وسوء نية مبيتة في الأمر ؟
هناك سوء نية وخطط مبيتة خبيثة حاكها شياطين الإنس ؛ أفلحت في تغييب العلاج الحكومي شبه المجاني عن الساحة عمداً ؛ حتى يتم إجبار الناس على اللجوء إلى المستشفيات الخاصة ، وبما يرفع أرباح هذه المستشفيات إلى أرقام فلكية .... ولا يهم كيف يسدد عامة الناس تكاليف هذه المستشفيات الخاصة .. يستغيثون بالمغتربين والمهاجرين .... يلجأؤون إلى الكنائس والرهبان .... يستدينون ... يبيعون أعراضهم ... أراضيهم ... منازلهم ...الأثاث ... السيارات .... وحتى متعلقاتهم الشخصية ؛ لايهم .... المهم فقط أن تصب الأموال في خزائن أصحاب هذه المستشفيات المثيرون للجدل .
الذي يبحث في ملكية هذه المستشفيات الخاصة التي بلغ عددها 1400 مستشفى خاص يكتشف أنها إما لوزراء على قيد مناصبهم في العاصمة والولايات أو لأصحاب مناصب رفيعة وشراكة رجال أعمال الغـفـلة من فئة الصقور والحيتان والتماسيح والثعالب وأتباع علي بابا ؛ الذين لا يتركون شاردة ولا واردة إلا إبتلوعها ؛ وبأسلوب وقناعات تجعلك على ثقة بأنهم قد شربوا محايات بيبسي ؛ وتلقوا تطمينات على هيئة فتاوي شكسي بأن عذاب القبر إشاعة .. وأن يوم الحساب لن يأتي .
وهناك أكثر من علامة إستقهام حول مدى إستفادة المستشفيات الخاصة هذه من إعادة إستخدام معدات وأجهزة طبية كانت مركونة في المخازن الحكومية ؛ وتم تلجينها وبيعها خردة بأرخص الأسعار تحت جنح الظلام. فهل كان تورط أحد وكلاء وزارة الصحة المركزية في إستيراد هذه الأجهزة بملايين الدولارات من أموال الشعب هو المقدمة لخطط ركنها وتشوينها في المخازن فترة تمهيدا لبيعها لاحقا إلى مستشفيات خاصة بثمن بخس جنيهاتٍ معدودة؟
تلويح اللجنة الحكومية المكونة لمواجهة إضراب الأطباء بأن مسببات ودواعي هذا الإضراب سياسية هو إدعاء مردود ..... فالأطباء لم يلجأؤوا للإضراب إلا بعد أن بلغ السيل الزبى ؛ وتصاعدت ردود الأفعال الجماهيرية إلى ظاهرة جديدة فريدة من نوعها ؛ تمثلت في الإعتداء المتكرر من جانب ذوي المرضى على الأطباء أنفسهم بالسب والإهانات والضرب ......
تراخي السلطات في حماية منسوبي وزارة الصحة من الأطباء أثار الشكوك في أنها وجدتها فرصة سانحة إلى التخلص من عبء إتهامها بالتقصير في توفير الخدمات الصحية الضرورية لشعبها . وتحميل هذا العبء على ظهور الأطباء المغلوب على أمرهم والمفترى عليهم.
عدم الجدية أو الرغبة في إيجاد حلول واقعية لحالة تردي الخدمات الطبية ؛ وبما يؤدي إلى توقف اٌضراب الأطباء وعودتهم إلى ممارسة أعمالهم قد يفاقم التوتر الداخلي . ويفتح الباب على مصراعية أمام دخول معلمي المدارس العامة الحكومية وأساتذة الجامعات في إضراب مفتوح هم الآخرون على واقع معاناة قطاع التعليم من مشكلات وتردي مماثل لما هو جاري بالقطاع الصحي.... وعندها سيتسع الفتق على الراتق.
إن الذي يتابع قراءة هذا المقال ويقارنه بغيره من مقالات تتناول ذات الحدث . يلاحظ أن جميع المقالات تشارك بعضها البعض نفس الرأي بقدر أو بآخر .. وهو ما يؤكد بأن المشكلة واضحة في أذهان الجميع .... وبالتالي وطالما كانت واضحة فإن الحلول هي الأخرى تظل ساهلة وهي تتلخص في الآتي:- 1) قيام الدولة بأداء واجباتها المنصوص عليها لجهة صيانة وإعادة تأهيل المستشفيات الحكومية وتزويدها بالأجهزة والمعدات اللازمة.
2) إصلاح بيئة العمل ورد الإعتبار إلى الكوادر الطبية العاملة في المستشفيات الحكومية بزيادة الأجور ؛ وحمايتهم أمنياً بحيث لا يتعرضون للإستفزاز والإهانات على مختلف أنواعها.
3) التشديد على تفعيل قوانين معمول بها في مختلف دول العالم ؛ تقضي بمحاكمة كل من يتورط في الإعتداء باللفظ والضرب على موظف حكومي أثناء تأديته لمهام وظيفته بالغرامة المالية والسجن لمدة لا تقل عن ستة شهور.
4) إصدار قوانين فاعلة تمنع الجمع ما بين المنصب الحكومي أيا كان مستواه وملكية أو المشاركة في ملكية مستشفيات خاصة... وشركات إستيراد أجهزة ومعدات ولوازم ومعينات وأدوية علاجية طبية .. على أن يسري هذا المنع على أبناء وبنات هؤلاء وزوجاتهم وأحفادهم.
5) منع الجمع بين منصب حكومي أيا كان مستواه و تولي منصب إداري أو إستشاري في مستشفى خاص. أو شركات إستيراد أجهزة ومعدات ولوازم ومعينات وأدوية علاجية طبية..... على أن يسري هذا المنع على أبناء وبنات هؤلاء وزوجاتهم وأحفادهم.
وهناك العديد من الإقتراحات بحلول ناجزة سهلة وممكنة لو حسنت النوايا ، وأدرك بعض الضالين أن هذه الأموال العامة التي يسرقونها ويكنزوها لزوجاتهم وأبناءهم ليبددونها بعـد مماتهم المحتوم ؛ لن تكون في نهاية المطاف سوى سبباً في عذاب القبر وشقاء البرزخ ؛ لأن حقوق الناس لا تغتفر ... وأن يوم الحساب آت لا محالة .. ولن تفيدهم التبريرات والأكاذيب وتدبيج الذرائع فهم لا يقفون يومئذ أمام قاضي من البشر .... وليتذكروا قوله عز وجل : [اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون]. الآية (65) سورة ياسين.
لقد عبر الأطباء عن قضيتهم وشرحوا مطالبهم المشروعة ؛ وأسباب الإضراب عبر وسائط المعلوماتية على نحو مستفيض شـعـراً ونثــرا . والشعب قد بادر وإستجاب يسجل التحية والتقدير لأبطاله أبنائه الأطباء ؛ الذين تشكل الغالبية العظمى منهم ضمير هذه الأمة السودانية الحي النابض . ويؤكد وقوفه إلى جانبهم حتى تتحقق مطالبهم على نحو واقعي بالجدية اللازمة ؛ ووليس على شاكلة مواعيد عـرقـوب التي قال فيها الشاعر (المخضرم) كعب بن زهير: صارت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيل
• السلطة في هذا الوطن خامل ولا ينتج . • وينفق المليارات في الأمن والدفاع . • وكل الإنفاق من أموال هذا الشعب المنهك . • والمورد يورد السلع كيف يشاء بعد أن يشتري الدولار من السوق الأسود . • وكل ِأرباح المورد في نهاية المطاف يدفعها هذا الشعب الغلبان . • كل زيادة في أسعار السلع والخدمات يتحمله ذلك المستهلك ( محمد أحمد ) . • ورغم ذلك الدفع فإنه يدفع مقابل خدمات بدون خدمات . • المواطن المسكين يدفع الجبايات ويدفع الضرائب ويدفع رسوم النفايات والبلد غارق في الأوساخ . • والفوضى نجده في تعريفة المواصلات وكل صاحب مركبة هو ذلك الجشع المخيف . • والكل يفرض رسوم المواصلات حسب هواه ومزاجه !! . • والسلطة غائبة عن الصورة في كل ذلك ،، ( ولعنة الله عليها ) . • الأطباء لديهم مطالبهم ومشاكلهم مع السلطات . • وفي نهاية المطاف فإن المريض السوداني والمرافق هم الذين يدفعون الأثمان . • النقص في المعدات الطبية لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • النقص في عربات الإسعاف لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • النقص في أجهزة الفحوصات لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • عنجهية الأطباء وتكبرهم وتجبرهم لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • إضراب الأطباء مطالبين بحقوقهم لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • غلاء الكشوف الطبية لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • غلاء الأدوية العلاجية لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • أطماع محلات بيع الغاز لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • أطماع الجزارين وبائعي اللحوم لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • أطماع تجار الجملة والقطاعي في الأسواق والأحياء لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات . • وأي مسار من مسارات الحياة في هذا السودان لا بد من المواطن السوداني أن يتحمل التبعات .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة